التفسير
٣٩ - ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾:
بين الله تعالى فيما سبق من الآيات أن يوسف لما دخل السجن صحبه فتيان وأَنهما رأيا حلمين، وطلبا من يوسف عليه السلام أن يعبرهما، وأَن يوسف قبل أن يعبرهما ذكر للسجينين المذكورين أنه اعتاد معهما أَن يخبرهما بالغيب قبل حدوثه، فكان لا يأتيهما طعام إِلا أَخبرهما بنوعه وحاله ووصفه قبل مجيئه، حتى إِذا جاءهما كان على وفق ما حدثهما به، ثم بين لهما أنَّ مصدر العلم بذلك هو الله ربه، فهو الذي علمه إياه، ولم يكن من باب الكهانة والتنجم، وأنه ترك ملة قومه المشركين، فلم يشاركهم في شركهم وكفرهم بالآخرة، واتبع ملة آبائه إِبراهيم وإسحاق ويعقوب، وأَنه لا يصح له ولا لأحد أَن يشرك بالله شيئا، وأن معرفة البشر بوحدانيته تعالى من فضل الله عليهم.
وجاءت هذه الآية لإقامة الدليل لصاحبى السجن على فساد الشرك، وبيان أن الحكم في أمر العباد ليس إلا لله تعالى، وأنه جل وعلا أَمر أَن لا يعبد أحد سواه، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك، لإِفسادهم فطرتهم وسوء اختيارهم، وأَنت ترى من عرض هذه المعانى لتلك الآيات، أَن يوسف عليه السلام - لم يتعجل إجابة صاحبى السجن بتفسير حلميهما كما طلبا، بل بدأَ يمارس معها ما أعده الله له من النصح والإِرشاد لعباده، والهداية إلى توحيده وعبادته، كما هو شأن آبائه المرسلين عليهم السلام.
وكان يرجو بذلك أن يهديهما الله تعالى إلى الحق، فمن اهتدى منهما كان من أَهل النجاة والسعادة، ومن نجا منهما كان داعيا لمن حوله من بطانه العزيز إلى توحيد الله تعالى، وكأنه يقول لهما عندي العلم بتأويل رؤيا كما فأنتما تعلمان أَنه لا يأتيكما طعام إلا أَخبرتكما بتأويله قبل أن يحضر إليكما، ولكن تعالوا فاسمعوا أَولا ما يطهر عقيدتكما من الشرك، ويهديكما إلى معرفة الواحد الديان قبل أَن أعبر لكما رؤياكما، ثم قص عليهما مصدر علمه بالتأويل، وتحدث عن ملة إبراهيم وإسحق ويعقوب، وأَنه لا يصح الإشراك بالله، لأنه لو تعددت الآلهة وتفرقت لفسدت السموات والأرض، وهذا المعنى الأخير هو الذي أشار إليه قوله تعالى حكاية عنه:


الصفحة التالية
Icon