هكذا يحكي الله تعالى ما دار بين يوسف وصاحبيه في السجن وخلاصته: أنه أعلمهما أَن التي يعيدونها ويسمونها آلهة لا تصلح للألوهية، وأنها أسماءٌ بلا مسميات وألوهيتها دعوى بغير دليل، وأن المستحق للألوهية هو الله وحده، ولهذا لم يحكم بها لسواه، بل أمر أن لا يعبدوا غيره، وأخبر أن ذلك هو الدين المستقيم الذي أجمعت على استقامته وصحته الأدلة النقلية والعقلية، ثم قال:
﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾:
أي ولكن أكثرهم يجهلون أَن ذلك هو الدين المستقيم دون سواه، لأنهم لم يستعملوا عقولهم في الاستدلال على الحق سبحانه بآياته.
وبعد أن بين يوسف عليه السلام لصاحبي السجن أن عبادة الله تعالى هي الحق، وأنها خير لهما من عبادة الأَرباب المتفرقين الذين ليس لهم من صفة الألوهية أَدنى نصيب، وأن الحكم لله وحده في الكون كله، فلا ألوهية لأحد سواه، وأنه تعالى أمر أن لا يعبدوا إلا إياه، وأن هذا هو الدين القيم - بعد أن بين لصاحبي السجن كل ذلك - شرع يعبر لهما ما رأَياه في النوم ويفسره لهما فقال:
﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (٤١) وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢)﴾
المفردات:
﴿فَيَسْقِي رَبَّهُ﴾: أي فيسقي سيده. ﴿تَسْتَفْتِيَانِ﴾: تطلبان الفتيا.
﴿عِنْدَ رَبِّكَ﴾: عند سيدك. ﴿بِضْعَ سِنِينَ﴾: البضع، العدد من الثلاث إلى التسع، واشتهر أن يوسف مكث في السجن سبع سنين.