وكان يوسف يرجو أن يسارع بإخبار الملك حين يعود إلى خدمته، وفاء بعهده معه، وإدراكًا منه لما يقاسيه السجين في السجن من العذاب النفسي، والحرمان من الحرية، فقد شاركه في ذلك. ولكن الشيطان الذي يكره الوفاء بالعهد أنساه تذكير سيده الملك بأمر يوسف، حيث شغل قلبه بما استجد له من نعمة الحرية والعودة إِلى العمل في قصر الملك. وشواغل الخدمة المتتابعة لسيده. فمكث يوسف في السجن بعد خروج صاحبه السجين بضع سنين - والبضع من الثلاث إلى التسع كما تقدم - ويقال إنه مكث في السجن سبع سنين.
وأعاد بعض المفسرين الضمير في قوله تعالى: ﴿فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ﴾ إلى يوسف عليه السلام، أي فأنسى الشيطان يوسف - ذكر ربه سبحانه. فلجأ إلى صاحبه السجين وقال له: اذكرني عند ربك - أي سيدك الملك - فعاقبه الله بأن أبقاه في السجن بضع سنين، جزاء له على تركه الاعتماد على الله تعالى. والميل في طلب النجاة إلى عبد من عبيده. وكان عليه أن يشكو إلى الله ويستغيث به.
وأَصحاب هذا القول اعتمدوا على أحاديث واهنة لا يصح الأخذ بها. وما يظن أحد من المنصفين وأهل التحقيق أن يوسف ترك الشكوى إلى الله، وهو الذي استعاذ بالله من خيانة العزيز الذي أحسن مثواه. وعف عن الحرام والإثم الذي كانت تدفعه إليه زوجته الخاطئة بشتى المغريات، وهو الذي دعا السجينين إِلى توحيد الإله سبحانه وترك الأرباب المتفرقين، الذين هم أسماء بلا مسميات. والحق ما قلناه أولا من أن الذي أنساه الشيطان ذكر ربه هو ساقي الملك، والدليل الحاسم على ذلك هو قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ﴾: أي وقال الذي نجا منهما وتذكر يوسف بعد مدة طويلة: إلخ، كما أنه لا مجال لأن يتسلط الشيطان على نبي فينسيه ذكر ربه وهو يقول سبحانه: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ (١) على أن الأخذ بالأسباب مشروع قال تعالى: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾ (٢).

(١) الإسراء، من الآية: ٦٥
(٢) الملك، من الآية: ١٥


الصفحة التالية
Icon