يوسف عليه السلام مع أنه لم يألف مثل ذلك، فقد علمه ربه علوما كثيرة، وحسبك دليلا على ذلك قوله لصاحبي السجن: ﴿ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي﴾.
وقد قال القرطبي تعليقًا على هذه الآية ما يلى:
هذه الآية أصل في القول بالمصالح الشرعية التي هي حفظ الأديان والنفوس والعقول والأنساب والأموال، فكل ما تضمن تحصيل شيء من هذه الأُمور فهو مصلحة، وكل ما يفوت شيئا منها فهو مفسدة ودفعه مصلحة، ولا خلاف في أن مقصود الشرائع إرشاد الناس إلى مصالحهم الدنيوية، ليحصل لهم التمكن من معرفة الله تعالى وعبادته الموصلتين إِلى السعادة الأخروية ومراعاة ذلك فضل من الله - عز وجل - ورحمة رحم بها عباده من غير وجوب عليه الخ.
ثم شرع يوسف يبين بقية التأويل فقال:
٤٨ - ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ﴾:
أي ثم يأتي من بعد السنين الخضراء التي تجدون وتتعبون في الزرع فيها فتأكلون منه وتدخرون من حبه - يأتي من بعد ذلك - سبع سنين صعاب على الناس يأكلن ما قدمتم لهن من الحب المتروك في سنابله إِلا قليلا مما تدخرونه منها لبذور الزراعة، وإسناد الأكل إليهن مع أن الآكلين هم الناس، على سبيل المجاز كما في قولهم: نهاره صائم، وفي هذه الآية تأويل أكل البقرات السبع العجاف التي هي رمز للسنوات السبع الجدباء للبقرات السبع السمان التي هي رمز للسنوات السبع الخصبة.
٤٩ - ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾:
أي ثم يأتي من بعد ما ذكر من السنين الخصيبة والجدباء عام فيه يمطر الناس بالغيث الذي كانوا محرومين من تتابعه وغزارته سبع سنين، وفيه يعصرون ما يقبل العصر من الثمار والحب وغيرهما، كالعنب والزيتون والسمسم والقصب. وقيل معنى يعصرون يحلبون الضروع.


الصفحة التالية
Icon