لبث في السجن سنين كثيرة قال ابن عطية تعليقا على ذلك: كان هذا الفعل من يوسف أناة وصبر، وطلبًا لبراءة الساحة، وذلك أنه خشي أن يخرج وينال من الملك مرتبة فيقول الناس: هذا هو الذي راود امرأة مولاه، وقد صفح عنه الملك، ويراه الناس أبدًا بتلك المنزلة، فأراد أن يبين براءته، ويحقق منزلته من العفة والخير، ويخرج بعد شرف البراءة ليحظى من الملك بالمرتبه السنية على طهر وكرامة، فلهذا قال للرسول: ارجع إلى ربك لينظر في أمرى: هل سجنت بحق أَو بظلم: اهـ ملخصا ولقد أَعظم النبي - ﷺ - مكانته من الصبر والنزاهة وعزة النفس والكرامة فقال:
"إنَّ الكَرِيمَ ابْن الكرِيمِ ابن الْكرِيمِ ابْن الْكريم (١) يُوسُفُ بنُ يَعْقَوبَ بنِ إِسْحق ابنِ ابْراهيمِ قال - وَلوْ لبِثْتُ فِى السِّجْنِ مَا لَبِثَ ثُم جاءَني الرّسولُ أجبتُ - ثم قرأ: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾.
الحديث: أخرجه الترمذي في صحيحه - والحديث مروى في الصحاح بعبارات متقاربة.
والنبي - ﷺ - مع كونه يشير في الحديث إِلى مكانة يوسف من الصبر والنزاهة، لكنه يوميء إِلى أنه بالغ في ذلك، وأنه كان الأحوط أن يخرج حتى لا يعدل الملك عن إخراجه لأنه لم يجب طلبه بالحضور إليه، ولأن هذه المرأة إن كانت زوجته أو زوجة وزيره فإن سؤال النسوة عنها سينتهى إِلى فضيحتها، فربما عدل عن سؤالهن لذلك، وآثر إبقاءه في السجن، لاشتراطه للخروج شرطًا يؤدى تحقيقه إلى هذه الفضيحة، فيظل مسجونًا ظلما.
وقال ابن عطية: فإن قيل: كيف مدح النبي - ﷺ - يوسف بالصبر والأناة وترك المبادرة إلى الخروج، ثم يذهب بنفسه عن حالة مدح بها غيره، فالوجه في ذلك أن النبي - ﷺ - إنما أخذ لنفسه وجهًا آخر له جهة من الجودة