والمعنى: إن ربكم ومالك أموركم هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أَوقات بعيدة المدى لا يعلمها إِلا الله، اقتضاها تطوير خلقها من دخان إِلى نجوم وكواكب وأرضين يابسات، ثم استوى على العرش وملك سلطان الكون وهيمن عليه، فكيف تعجبون من أَنه أَوحى إلى رجل منكم هو في أعلى درجات الكمال الإنسانى ليبلغكم شريعته، ويحذركم نقمته إن عصيتموه، ويبشركم بحسن العاقبة إن أطعتموه، وكيف تصفونه وهو الصادق المصدوق بأنه ساحر مبين، مع أنه لم يمارس السحر طول حياته وقد عرفتموه فيما بينكم بالصادق الأَمين، فهل يعقل عاقل أن يؤيد الله رب هذا الملك والكون وخالق هذه الأرض والسموات وصاحب هذا العرش والسلطان، كيف يعقل أن يؤيد بشرًا بالمعجزات وهو غير صادق في دعوى الرسالة وكيف تصفون من أيده الله بأنه ساحر مبين.
واعلم أيها الأخ المسلم، أنه لا ينبغى أَن تورط نفسك في فهم المراد من اليوم، فأَيام الله من شأْنه وحده، ولا علم لنا بها، فتارة يكون يومه تعالى كألف سنة مما تعدون، وأخرى يكون كخمسين أَلف سنة، وثالثة يكون أقل أو أكثر من ذلك بما لا يعلمه إلا الله، واليوم في هذه الأيام الستة يمثل طورًا من أَطوار التكوين، وربما جاوز ملايين السنين فدع تقديره لمن هو أعلم به جل وعلا.
أما اليوم الذي يطلق تارة على النهار الواحد أَو على مجموع ليل ونهار فإنه لم ينشأَ إلا بعد تكوين الشمس والقمر والأرض ودورانها حولها وهو خاص بأَرضنا هذه، ولكل كوكب نهاره وليله اللائقان بحجمه وبما خلق من أَجله.
﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾:
ويطلق العرش في اللغة حقيقة على سرير الملك ومجازًا على العز والسلطان، ويطلق الاستواء على الاعتدال وعلى الإقبال وعلى الاستيلاء.
والمعنى اللائق باستوائه سبحانه على العرش هو استيلاؤه على سلطان الكون وتمكنه منه ومن تدبيره دون شريك، أَما تفسيره بمعنى الاعتدال والجلوس على سرير الملك، فهو أمر يجب تنزيه المولى عنه؛ لأنه ليس جسما ولا مادة وكل ما خطر ببالك فالله تعالى بخلاف ذلك: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.


الصفحة التالية
Icon