وَفَضْل الْعَرْش عَلَى الكُرسِىٌ كَفَضْل الفَلاة عَلَى الْحَلقَة" وتركوا علم ذلك وإِدراكه إلى الله علام الغيوب.
(وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى):
أَي أَن الله سبحانه خلق الشمس وهي نجم كبير وخلق القمر وهو كوكب صغير وسخرهما لتنتفع البشر بنورهما وحرارة الشمس ذات المنافع الغزيرة، فانظر إِلى رحمة الله، حيث جعل الشمس إِذا غابت بالحجاب وغابت معها أنوارها، أَتبعها القمر حتى لا يحرم عباده من نور السماءِ ليلا ونهارًا، وجعل كلا منهما يجرى في فلكه المرسوم ومداره المعلوم إِلى أَمَد مقدر وزمن محدود يعلمه سبحانه.
وقال ابن عباس: الأَجل المسمى درجاتهما ومنازلهما التي ينتهيان إِليها ولا يتجاوزانها.
يريد بذلك أَن الشمس تقطع مدارها متنقلة في أَبراجها في سنة شمسية، والقمر يقطع مداره متنقلا في منازله في شهر قمرى، وفي ذلك يقول الله تعالى: "وَكُلُّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" (١). وذهب معظم المفسرين إِلى أَن الأَجل المسمى هو يوم القيامة يوم أَن تكون السماوات مطويات بيمينه سبحانه.
(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ):
والمعنى أَن الله سبحانه يقدر الأمور بمقتضى حكمته ويجريها طبقًا لسنته الكونية في أَرضه وسمائه فهو سبحانه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ويخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى، وغير ذلك من شئونه تعالى في سماواته وأَرضه، تلك الشئون التي تحير العقول والأَلباب ولا تدخل تحت حصر، وصدق الله تعالى إِذ يقول: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (٢) وكما أَنه تعالى يدبر الأمر فِإنه يفصل الآيات ويبينها في كتبه المنزلة على رسله ويوجهنا إِلى التأَمل فيها، والاعتبار بدلالتها فإنها تَدُلُّكَ على عظيم قدرته، وجليل حكمته، ووافر رحمته ونعمته، وأَن الذي بدأ الخلق قادر على

(١) سورة يس، من الآية: ٤٠
(٢) سورة الرحمن من الآية ٢٩.


الصفحة التالية
Icon