وكلمة "ييئس" هنا بمعنى يعلم في لغة النخع -كما حكاه الفراءُ (١) -وفي لغة هوازن -كما حكاه مجاهد والحسن والقاسم بن معين. (٢)
والمعنى على هذا: أَفلم يعلم الذين آمنوا أَنه لو يشاءُ الله هداية الناس جميعًا لفعل. ولكنه جعل سبيل الهداية إِلى الحق اختيار العبد وفعله، بعد أَن يسر الله له أَسبابها وأَزاح موانعها.
ومن العلماءَ من حملها على معناها المعروف وفسر الآية عليه كما يلي: أَفلم ييئس الذين آمنُوا من إِيمان المشركين لأَنه لو يشاء الله لهداهم جميعًا، وهم لم يهتدوا بل أصروا على الكفر فكان حقُّ المؤمنين أَن ييئسوا من إيمانهم، ويدركوا أَنه تعالى لم يشأْ هدايتهم.
(وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ):
أَي ولا يزال الكافرون من أَهل مكة تنزل بهم بسبب ما فعلوه من الكفر بالله وإِيذاءَ المؤمنين وإِخراجم من ديارهم -تنزل بهم بسب ذلك- داهية تقرعهم وتقلقهم من آن لآخر، كالذى كان يحدث لهم حينا بعد حين من القتل وَالأسْر وأَخذ غنائمهم في غزوات المسلمين وسراياهم، أَو تحل تلك الداهية في مكان قريب من دارهم (مكة) فيتطاير إِليهم شررها ويصابون بلهبها (٣)، حتى يأْتى وعد الله بفتح مكة وسقوط معقل الشرك، فيتم للمؤمنين النصر، ويدخل الناس في دين الله أَفواجا، إِن الله لا يخلف وعده في الأَمر كله.
ويصح أَن يراد من الذين كفروا، كل من كفر بالإِسلام، فتكون الآية وعيدا لمن يؤذى المسلمين بانتقام الله في الدنيا من آن لآخر، حتى يأْتى وعد الله بموتهم أَو بالقيامة فيجزيهم شر الجزاءِ، وإِلى هذا الرأْى مال الحسن وابن السائب.
(٢) انظر القرطبى والآلوسى.
(٣) ومن ذلك ما كان من صلح الحديبية، حيث عاد عليهم بالضرر وعلى المسلمين بالخير.