التفسير
٣٦ - (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ... ) الآية.
يرى الإِمام ابن عباس رضي الله عنه أَن المقصود من الذين آتيناهم الكتاب هم مؤْمنو أَهل الكتاب من اليهود والنصارى، كعبد الله بن سلام وكعب، ومؤمني نجران والحبشة فهؤْلاءِ كانوا يفرحون بالقرآن حين يسمعونه إِيمانًا منهم بأَنه كتاب الله الذي أَنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل يأْمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر -وقيل: إِن المراد بالذين آتيناهم الكتاب هم المسلمون وقد كانوا يفرحون بنور القرآن الكريم وتوالى نزول آياته.
(وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ): المراد بالأَحزاب على رأَى ابن عباس: كفرة اليهود والنصارى الذين تحزبوا على رسول الله صلَّى الله عليه وسلم بالعداوة والبغضاء، ككعب ابن الأَشرف والسيد والعاقب أَسقفى نجران وأَتباعهما، أَما على الرأْى الثاني القائل بأَن الذي يفرح هم المسلمون فالمراد بالأَحزاب كفار اليهود والنصارى، والمراد من (بعضه) الذي ينكره أَهل الكتاب هو الشرائِعُ التي جاءَت مخالفة للتوراة والإِنجيل تبعًا لتغير الزمان والأَجيال، أَو هو ما لا يوافق ما غيروه وبدلوه في كتبهم، وأَما ما يوافق ما في كتبهم فأَنهم لا ينكرونه وإِن لم يفرحوا به.
(قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ): أَي قُل يا محمد صادعًا بالحق غير مكترث بإنكارهم بعض القرآن، قل لهم: ما أَمرنى الله في القرآن الذي تنكرونه أَو تنكرون بعضه إِلا بأَن أَعبد الله وحده ولا أُشرك به شيئًا في عبادته، وقد أَمرنى أَن أَدعوكم إِلى ذلك بقوله سبحانه: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ".
(إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ): أَي إِلى عبادة الله وحده أَدعو الناس جميعًا، وإِليه وحده مرجعى ومرجعهم للجزاءِ فلذلك لا أُقِرُّ ما أَنتم عليه من اتخاذ اليهود عزيرا ابْنًا لله واتخاذ النصارى