قرآن عظيم الشأن، مبين شريعة الله التى ختم بها الشرائع السماوية، ومُظْهرها للناس فى أبهى صورها وأَوضحها، وكما يُبينُ شريعة الله فهو واضح فى عباراته ومعانيه، لا يلتبس على قاريء يعرف العربية، ولا تخفى عليه عجائبه ومزاياه.
وبعد أن أشار الله إلى عظمة آيات الله البينات التى منها هذه السورة، تشويقًا وتوجيهًا إلى حسن تلقيها، شرع يبين ما اشتملت عليه فقال سبحانه:
٢ - ﴿رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (٢)﴾:
أفادت هذه الآية الكريمة، أن الكفار سوف يحصل منهم بكثرة، أن يتمنوا فى الآخرة لو كانوا مسلمين في دنياهم لكى ينجوا من استمرار العذاب الذى يقاسونه في الآخرة؛ كما نجا عصاة المؤْمنين بعد أن عذبوا فيها على قدر معاصيهم، أخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة والبيهقي وغيرهم عن ابن عباس وأنس رضى الله عنهم "أنهما تذاكرا هذه الآية فقالا: هذا حَيْثُ يجمع الله تعالى بين أهل الخطايا من المسلمين والمشركين فى النار، فيقول المشركون: مَا أغْنَى عَنْكُمْ مَا كنتم تَعْبُدُونَ، فيغضب الله تعالى لهم، فيخرجهم بفضل رحمته، وأَخرج الطبراني وابن مردويه بسند صحيح عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ نَاسًا مِنْ أمتِي يُعَذَّبُونَ بذُنُوبِهمْ، فَيَكُونُون فِي النار مَا شَاءَ اللهُ تَعالى أَنْ يَكُوُنوا ثم يُعيِّرُهمْ أهل الشرك فيقولون: ما نَرىَ مَا كُنْتمْ فِيهِ مِنْ تَصْدِيقكُمْ نَفَعَكُم، فَلَا يَبْقَى مُوَحِّدٌ إلاَّ أَخْرَجَهُ اللهُ تَعَالَى مِنَ النار، ثُمَّ قَرَأ رَسولُ الله صَلَى الله علَيْهِ وَسَلَّم الآية" وذكر ابن الأنبارى أن هذه الودادة من الكفار عند كل حالة يعذب فيها الكفار، ويَسْلَمُ فيها المسلمون، ومن العلماء من قال إن هذه الودادة منهم فى الدنيا، فالضحاك يقول: إن ذلك يحدث منهم عند الموت وانكشاف وخامة الكفر لهم حينئذ، وابن مسعود يقول: إن الآية في كفار قريش وَدُّوا ذلك يوم بدر حين رأَوا الغلبة للمسلمين. وحرف (ربما) لم يوجد فى القرآن إلا فى هذه الآية، وباؤُه مفتوحة مخففة فى قراءَة نافع وعاصم، ومشددةٌ فى قراءة باقي القراء.