﴿وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ﴾:
أي وما كان المشركون ممهلين حين يُنزِل الله الملائكة استجابة لطلبهم، بل يهلكون لأي سبب مما تقدم بيانه، أَو لأنه تعالى جرت عادته فى الأُمم السابقة أنه إذا أتاهم بالآيات التي يقترحونها ولم يؤمنوا استأصلهِم بالعذاب، وقد علم الله من أهل مكة أنه لو أنزل ملائكة لم يؤمنوا بسبب نزولهم، وحينئذ فليس من الحكمة إنزال الملائكة ليكفروا بهم فيهلكوا، فى حين أنه كتب لهم الإيمان حيث دخلوا فى دين الله أَفواجا بعد فتح مكة.
ثم رد الله إنكارهم للقرآن العظيم فقال:
٩ - ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)﴾:
أى إنا نحن -رب السموات والأرض- نزلنا القرآن الذي أنكروا أنه وحي من عندى، نزلناه عليك، وإنا نحن بِعِظَمِ شأننا لحافظون هذا القرآن من التغيير والتبديل والضياع، ليبقى آية ديننا ودستور شريعتنا ما بقى الزمان، فلن يعتريه تحريف ولا تبديل ولا زيادة ولا نقصان.
ولقد أورث الله قلب كل مؤمن غيرة عليه، فلا نرى أحدًا يتسامح فى لحنة لاحنٍ فيه، ولو كان شيخا عظيما، بل يسارع إلى رَدِّه إلى الصواب، ولا يخاف فى الله لومة لائم، ولم يتعهد الله بحفظ كتاب سواه، أَما كتبه السابقة فقد استحفظها الربَّانيِّين والأحبار، على سبيل الامتحان والاختبار، فأساءُوا الحفظ والرعاية، وغيَّروا فيها وبدَّلوا، وما لم يبدلوه منها أساءُوا تأويله، وتعمَّدوا تحويله، وقد زال أصل التوراة ولم يعد له وجود، وضاع أصل الإنجيل وانتهى أَمره، ولهذا لا تجد نسخ التوراة أو الإنجيل متماثلة، فترى بعضها أطول من بعض، مع الاختلاف فى العبارات والمعاني.
أما القرآن الكريم فإنه نسخة واحدة فى جميع الأمصار والأعصار، في عهد رسول الله، وحين جمعه أبو بكر فى نسخة واحدة، ثم نسخه عثمانُ فى أربع نسخ وزعها على الأمصار، لم يتغير فيه حرف ولا كلمة، لأنه تعالى تولى حفظه بنفسه منذ أنزله على رسوله بقوله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾. ولم يستحفظ عليه أحدًا سواه، فطبع كل مسلم على الغيرة عليه والمبالغة في صيانته بدافع وجداني، تنفيذا لوعد الله الكريم، ليظل دستور