كما قال تعالى في سورة الأَعراف: "حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ" (١) أَي حملت سحابًا ثقالا.
وقيل "لَوَاقِحَ" بمعنى مُلقِّحات للشجر، حكى المهدوى عن أَبي عبيدة: لواقح بمعنى ملاقح جمع مُلْقِحة أَو مُلْقِح بحذف الزوائد.
فإِن كان يقصد أَنها تلقح إِناث الأَشجار بطلع ذكورها، فذلك واقع بالفعل، ولكن حمل الآية على هذا المعنى يبعده قوله تعالى عقبه: "فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ" فإِن ذلك يؤْذن بأَنها حوامل بالماء، أَو ملقحات للشجر بالماءَ الذي ينزله الله من السماءِ، ولذا عبر بالفاءِ التي تفيد أَن إِنزال الماء من السحاب مترتب على كون الرياح لواقح بالماءِ والله تعالى أَعلم.
(فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ):
أَي فأَنزلنا من السحاب الكثيف الذي أَقلته الرياح -أَنزلنا- منه مطرًا، فأَعددناه وهيأَناه لسقياكم وزروعكم ومواشيكم، حيث حفظناه في بحيرات وأَجريناه في أَنهار وجداول واختزنا بعضه في جوف الأَرض، لكي تنتفعوا به وقت الحاجة بحفر الآبار وتفجير العيون.
(وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ):
أَي أَن هذا المطر الذي ننزله من السحاب لم تختزنوه أَنتم، ولا علم لكم به من قبل أَن يأْتيكم، أَو لستم له بحافظين فوق سطح الأَرض أَو في جوفها، لتنتفعوا وقت حاجتكم بل الله تعالى هو الذي سخر لكم أَسبابه، وحفظه لكم في مجاريه وخزائنه، وهو قادر على إِمساكه منكم، والذهاب به إِذا أَتاكم، كما قال تعالى: "وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ".
وبعد أَن بين أَنه تعالى مصدر أَرزاقهم، عقبه ببيان أَنه هو الذي يحييهم ويميتهم ويرثهم فقال: