عليهم قبل خلقه؛ من السجود له بعد تمام خلقه، ولم يتخلف عن السجود إِلا إِبليس كما حكاه الله بقوله:
٣١ - (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ):
أَي فسجد الملائكة جميعًا إِلا إِبليس، فإِنه امتنع عن أَن يكون معهم في سجودهم، وقد اعتبره الله آثمًا بامتناعه عن السجود معهم، وعاقبه بإِخراجه من الجنة ولعنِه كما سيأْتى بيانه.
فإِن قيل: إِن الأَمر بالسجود موجه إِلى الملائكة، وإِبليس ليس منهم بل هو من الجن، لقوله تعالى في سورة الكهف: "إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ". ولأنه لو كان من الملائكة لسجد، لأَنهم كما قال الله فيهم: "لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (١) " وإِذا لم يكن من الملائكة فكيف اعتبر آثمًا مع أَن الأَمر بالسجود لا يتناوله، لأَنه خاص بالملائكة؟
وأَجيب عن ذلك بعدة أجوبة نختار منها اثنين.
أَحدهما: أَنه وإِن لم يكن من الملائكة نوعا فهو منهم إِقامة، حيث كان يقيم بينهم، فيسرى عليه ما يسرى عليهم من التكاليف، كالرجل يعيش في غير قبيلته، فتسرى عليه أَحكام القبيلة التي يعيش فيها.
ثانيهما: أَنه كان مأْمورًا بأَمر خاص به، ولم يصرح به في التكاليف ابتداءً، اكتفاءً بالإِشارة إِليه في التوبيخ صراحة على عصيانه، وذلك بقوله تعالى في سورة الأَعراف: "قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ" (٢).
(٢) سورة الأعراف من الآية: ١٢