كما أمره أن يبلّغهم أن عذاب الله هو العذاب الأليم، أي البالغ الغاية فى الشدة والإيلام لا يشبهه عَذَاب غيره ولا يدانيه، فقال جلَّ وعلا:
٥٠ - ﴿وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (٥٠)﴾:
وفى معنى الآيتين قوله سبحانه: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (١). وفى هذا المعنى يقول النبي - ﷺ - فيما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه: "إن الله تعالى خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة؛ فأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة، وأرسل فى خلقه كلهم رحمة واحدة: فلو يعلم الكافر بكل الذى عند الله من الرحمة، لم ييئس من الجنة؛ ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب، لم يأمن من النار" (٢). وقد نبهت الآيتان على مقامي الرجاء والخوف، ولابد للعبد من الجمع بينهما؛ وينبغي أن يكونا سواء ما دام العبد صحيحا معافى؛ فإن المبالغة فى الرجاء تفضي به إلى تسويف الصالحات أو إهمالها؛ والمبالغة فى الخوف تفضي به إِلى القنوط واليأس! وخير الأمور أوساطها.
وقيل يُغلِّب الخوف على الرجاء فى حال صحته، فأما إذا مرض فلْيغلِّب الرجاء على الخوف حتى إذا دنت أمارات الموت فليكن رجاؤُه في ربه وإحسان الظن به مَحضًا خالصًا، ولا سيما حال احتضاره؛ فإنه حينئذ قادم على رب كريم ذي فضل عظيم سبقت رحمتُه غضبَه وعذابه، وقد روى مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصارى رضى الله عنهما قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: "لا يموتنَّ أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل" وروى مسلم عن جابر أيضًا. قال سمعت النبي - ﷺ - يقول: "يُبعث كل عبد على ما مات عليه". وروى الشيخان عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: "لما قضى الله الخلق كتب فى كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتى سبقت غضبي" (٣).
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، في باب الرجاء والخوف، ومسلم في كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله وأنها سبقت غضبه".
(٣) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قول الله تعالى: ﴿وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده﴾ ومسلم في كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه.