والقصة في هاتين السورتين أَكثر تفصيلا مما وقع في هذه السورة. والقرآن الكريم يكمل بعضه بعضًا، ويفسر بعضه بعضًا، ويتعين رَجْع بعضه إِلى بعض في القصة الواحدة. قال جل ثناؤُه:
٥٢ - (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ):
أَي اذكر أَيها الرسول حين دخل هؤُلاءِ الأَضياف على إِبراهيم وحيَّوه فقالوا سلامًا، أَي قالوا هذا اللفظ تحية له. أَي نسلِّم عليك سلامًا فقال ردًّا لتحيتهم عليكم سلام، إلا أَن الرد لم يذكر في هذه السورة اكتفاءً بذكره في سورتى هود والذاريات، كما لم يذكر مجيئه بالعجل السمين الحنيذ، أَي المشوى، اكتفاءً بذكره في السورتين كذلك.
وكان عليه السلام كريما غاية الكرم، وكان يقال له -فيما يؤْثر- أَبو الضَّيفان، ولا عجب فقد جاد بنفسه لربه الأَكرم.... والجود بالنفس أَقصى غاية الجود.
قال إِبراهيم عليه السلام لضيوفه لما امتنعوا عن الأَكل، وقد قدم إِليهم العجل: (إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ): أَي خائفون فزعون، لما جرت به العادة عندهم أَنه إِذا نزل بهم ضيف فلم يأْكل من طعامهم ظنوا أَنه لم يجيء بخير! لهذا نَكِرهم قبل أَن يُعلموه أَنهم رسل الله، وأَوجس منهم خيفة ثم صرح بخيفته فقال: "إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ". وفي سورة هود: "فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ" (١)
٥٣ - (قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ):
طمأَنت الملائكة إِبراهيم عليه السلام: إِذ قالوا له لا توجل أَي لا تخف ولا تفزع، ولكى يزبلوا خوفه بشروه بغلام عليم ليعلم سر مجيئهم إِليه، والمراد من كونه غلاما عليمًا أَنه يكبر ويكون عظيم القدر كثير العلم، وهو إسحق عليه السلام من امرأَته -واشتهر أَن اسمها سارَة- وقد بشروها أَيضًا بيعقوب من ورائه كما جاء في قوله تعالى: (فَبَشَّرْنَاهَا