مع أَن الله تعالى هو الذي قدر وقضى لأَنهم هم المباشرون لإِنفاذ ما أَمر الله بإِنفاذه، كما تقول خاصة الملك نحن أَمرنا وفعلنا وإِن كان الآمر هو الملك.
وقوله سبحانه:
٦١ - (فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١)):
شروع في بيان إِهلاك المجرمين، وتنجية آل لوط، مع تفصيل لما أُجمل في الاستثناءِ السابق؛ وذلك أَن الملائكة لما بشروا إِبراهيم بالغلام، وعرفوه بما أَرسلوا به، ساروا إِلى لوط وقومه فلما دخلوا على لوط وهم في صور شبان حسان الوجوه:
٦٢ - (قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ):
أَي لا أَعرفكم، فمنْ أَنتم؟ ولأَى أَمر جئتم؟ وإِنما قال ذلك لأَنهم ليسوا من أَهل الحضر، ولا تبدو عليهم آثار السفر. ويحكى الله سبحانه إِجابتهم للوط لكي يطمئنوه، ويعرفوه بما جاءَوا من أَجله؛ فيقول جل شأْنه:
٦٣ - (قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ):
أَي ما جئناك بما يسوؤك، بل جئناك بما فيه سرورك ونصرك على أَعداءِ الله وأَعدائك، وهو إِيقاع العذاب الذي كنت تتوعدهم بنزوله، فيمترون أَي يشكون فيه ويكذبونك. وهذا كما حكى الله عنهم في شيءٍ من التفصيل الذي تقدم في سورة هود: "قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ" (١). ثم أكدوا بشارئهم بجملة من المؤكَّدات فقالوا:
٦٤ - (وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ):
أَي وجئناك بالأَمر المحقق المتيقن الذي لا مجال للامتراءِ والشك فيه وهو عذابهم، وإِنا لصادقون فيما أَخبرناك به، أَو في كل كلام نقوله؛ لأَنه من عند الله عَزَّ وَجَلَّ فيكون كالدليل على صدقهم فيما أَخبروا به.

(١) من الآية: ٨١.


الصفحة التالية
Icon