ثم دعا سُبحانه إِلى النظر والاعتبار بما أَصاب هؤلاءِ المجرمين فقال:
٧٥ - (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ):
أَى إِن فى ذَلكَ العذاب الذى أَحاط بقوم لوط فدمَّرهم لعلامات بينةً على أَخذ الله للمجرمين. يعرفها أَهل الفطانة الذين يدركون الأُمور بسِماتِها وعلاماتها. فيستدلون بها على حقائق الأَشياء، ويعتبرون بما يحدث فى الكون من عظات وعبر!
وفى الآية تنويه بالفِراسة والمتفرسين. وفي تفسير ابن كثير عن أَبي سعيد مرفوعًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا فِراسة المؤمن فإِنه ينظر بنور الله" رواه الترمذى وابن جرير. وأَصدق الناس فِراسة أَصحاب رسول الله ﷺ والتابعون لهم بإِحسان. قال ابن القيم: وكان الصديق رضى الله عنه أَعظم الأُمة فِراسةً، وبعده عمر ابن الخطاب رضى الله عنه (١)
ثم بين سبحانه بيانا مؤكدًا أَن مدينة قوم لوط لا تزال توحى بالعبرة والعظة فقال:
٧٦ - (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ):
أَى إِن هذه المدينة، أَو القرى -يعني آثارها- لفى طريق باق ثابت يسلكه الناس يومئذ فيرونها رأْى العين ليعتبر بها أُولو الأَبصار والبصائر، وفى سورة الصافات: ﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٣٨)﴾. (٢) والخطاب لأهل مكة.
ثم حث المؤمنين على النظر مؤكدًا فقال:
٧٧ - (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ):
أَى إِن فيما ذكر من قصة قوم لوط وما حل بهم لعلامةً عظيمة للمؤمنين بالله ورسوله فإِنهم الذين يعرفون أَن ما حاق بهم من العذاب وَجَعْلِ ديارهم خاويةً بلاقع، إِنما حل بهم لسوءِ صنيعهم، وأَما غيرهم فهم غارقون فى غوايتهم فلا يفكرون فى الآيات ولا يعرفون سبيل
(٢) الآيتان: ١٣٧، ١٣٨