إِلى هذه، فَاستَخْرَجَ قَلْبِى فَغَسَلَة، ثُمَّ أعِيدَ، ثُم أتِيتُ بِدَابةٍ دُونَ البَغْلِ وَفَوْقَ الحِمَارِ أَبْيَضَ، يقَال لَهُ البُراق، يضَعُ حَافِرَهُ عِنْد مُنْتَهى طَرفِه، قَالَ فَركِبتهُ حَتى أتَيتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ - قالَ - فرَبَطْتُهُ بِالحَلقَةِ التِى تَرْبِطُ بِها الأنْبِيَاءُ، ثُم دخلْت المَسجِدَ فصَليْت فيهِ رَكْعَتَينِ، ثُمَّ خَرَجتُ فَجَاءني جِبْريلُ عَلَيْهِ السلاَمُ بِإنَاء مِنْ خمْرٍ وإناء مِن لبنٍ، فَأخذتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبرِيلُ اخْتَرتَ الفِطرَة: قَالَ: ثُم عَرَجَ بِنا إلىَ السماء" إلى آخر قصة المعراج، وسنَعْرِض لها إِن شاء الله تعالى في تفسير سورة النجم عند قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى﴾. وجاء في رواية البخاري في طريقة غسل قلبه الشريف قوله صلى الله عليه وسلم: "فاسْتَخْرَجَ قَلْبِى، ثُم أُتيتُ بِطَست من ذَهَب مَملوء إيمانًا فَغَسلَ قَلْبِى ثُمَّ حَشَا، ثُمَّ أعِيدَ". وكان الإسراءُ والمعراج والعودة في بعض ليلة واحدة، واختلف العلماءُ هل كانا بالجسد والروح، أَو بالروح فقط، أَو كانا مناما، والجمهور على أَنهما كانا بالجسد والروح يقظة، ويشهد لذلك التعبير عنه ﷺ بقوله: (بِعَبْدِهِ) والعبد يشمل الجسد والروح معا، كما يشهد له إعداد البراق له وركوبه إياه، ووصفه بأنه كان يضع حافره عند منتهى بصره، ومن أقوى الأدلة على ذلك ما حدث له ﷺ من شق صدره وغسله بالإيمان وحشوه، فإنَّ هذا كناية عن أنه تعالى كلف الملك بإعداده جسديا وروحيًا لتلك الرحلة الخطيرة، وشحنه بالقوى الإلهية التي تجعله في منعة من الأخطار الكونية أَثناء هذه الرحلة، وتجعله أيضًا مستعدا لاستقبال الأنوار الإلهية، ومن العلماء من قال: إن ذلك كان مناما، وبه قال الحسن، وروى ذلك عن عائشة ومعاوية، ورد ذلك بأن عائشة - رضي الله عنها - كانت حينذاك صغيرة ولم تكن معه صلى الله عليه وسلم، وأن معاوية كان كافرًا فلا يصح ما أسند إليهما، أَما الاستناد إلى قوله تعالى:
﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ فهو دليل عليهم وليس دليلا لهم، فإن الرؤيا هنا بمعنى الرؤية البصرية كما في قول الراعي يصف صائدًا:
وكبر للرؤيا وهشّ فؤاده | وبشر قَلبًا كان جما بل |