التفسير
٤ - ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ الآية.
بين الله تعالى في الآية السابقة أَنه أعطى موسى التوراة ليستهدي بها بنو إسرائيل، جاءت هذه الآية لتبين أنهم انحرفوا عنها وأفسدوا في الأرض مرتين، مخالفين ما أَمرهم الله به في التوراة من الصلاح والاستقامة.
والمعنى: وأوحينا إِلى بني إسرائيل في كتابهم التوراة، أَو قضينا عليهم بسبب انحرافهم عن هداه، لتفسدن في الأرض التي تعيشون عليها في الشام، أو في جنس الأرض - لتفسدن فيها - مرتين، ولتستكبرن استكبارًا كبيرًا على الله تعالى، فلا تلتزمون بهداه، وعلى الناس فتغلبونهم وتظلمونهم وتسيئون إليهم، وتحديد هاتين المرتين اللتين أفسدوا فيهما متعذر لأنهم قد أفسدوا مرات كثيرة منذ نزلت التوراة حتى الآن، ومما جاء في إِفسادهم، أنهم لما مات ملكهم تنافسوا على الملك وقتل بعضهم بعضا، ولم يسمعوا النصح من نبيهم زكريا، بل عدوا عليه وقتلوه، وقد رواه ابن إسحاق، وفي الكشاف أن أولاهما قتل زكريا وحبس أَرميا، وثانيتهما قتل يحيى وإرادة قتل عيسى عليهم السلام ومنها أنهم في سنة (٧١) إحدى وسبعين بعد الميلاد حاولوا أَن يثيروا المتاعب للرومانيين فبطش بهم القائد الروماني (صيطس - أوتيتوس) وقتل منهم خلقًا كثيرين، وخرب هيكلهم المقدس الذي كانوا يفاخرون به الأمم، ويباهون بضخامته وما فيه من آنية الذهب والفضة، فتفرق كثير منهم في الأرض، وذهب بعضهم إلى الحجاز، فتكون منهم يهود بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع حول المدينة، ويهود خيبر وغيرهم كما فر بعضهم إِلى الشام ومصر وغيرهما.
ومن هاجر منهم إلى الحجاز اختاروها لأنهم قرءوا في التوراة خبر نبي يبعث من بين إخوتهم، وهم بنو إسماعيل، وأن دينه سيذيع وينتشر من يثرب - أي المدينة - فلذا أقاموا حولها ليؤَازروه، حتى يعيد إليهم مجدهم وكانوا إذا تحاربوا مع الأوس والخزرج قبل البعثة وانتصروا عليهم، قالوا لكليهما: سيبعث نبي من بني إسماعيل وسنؤمن به ونقتلكم