(١) وأولى هذه القصص: قصة أصحاب الكهف الذين سميت باسمهم، واختصت بذكرهم فلم تذكر في سورة سواها. وفيها يتجلى الإيمان وآثاره إذا خالطت بشاشته القلوب، ولم تخش إلاَّ علَّام الغيوب. وإذًا فلا ترضى بغير الله بديلا، وقد ذكر الله تبارك وتعالى قصة أصحاب الكهف برهانا عمليا حقا على أَن البعث حق في يوم لا ريب فيه ﴿وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا﴾ (٢١).
(٢) وثانية القصص: قصة الرجلين صاحبي الجنتين: أَحدهما غنى كافر يعتز بماله وبنيه، ويتكبر على أَخيه؛ ويكفر بربه الذي خلقه من تراب ثم سواه رجلًا، ويظن أَن جنته لن تبيد أبدا. وصاحبه فقير صابر، راض بقضاء الله يرى أَن رضا الله كنز لا يفنى، وعز لا يبلى، فكانت العاقبة له، والندم والخسران لصاحبه، الذي اغتر واستكبر ﴿هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا﴾ (٤٤).
(٣) والثالثة: قصة أبي البشر آدم عليه السلام مع عدو الله وعدو آدم، وفيها التحذير منه ومن ذريته وأنصاره وشيعته. ومنها أن إِبليس كان من الجن، ولكنه انضم إلى الملائكة فصار كأنه منهم في عبادته لله وطاعته له، فلما أَمره الله تعالى بالسجود لآدم مع ملائكته، غلب عليه غروره وكبرياؤُه، فأبى واستكبر، فحذر الله عباده منه ومن فتنته، وبيّن أنه عدو لأبيهم من قبل، فمن المحال إن يكون صديقًا لأحد من ولده ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ (٥٠) ولا يخفى أن التنبيه على أن إبليس كان من الجن، خاص بهذه السورة، لم يذكر في غيرها من السور التي ذكرت قصة سجوده لآدم عليه السلام، وسيأتي تحقيق المراد من قوله تعالى: ﴿كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾.
(٤) والرابعة: قصة موسى كليم الله مع العبد الصالح، وهي مما اختصت به هذه السورة أيضًا، فلم تذكر في سورة سواها. وفيها: أَن عالِمَ الغيب والشهادة سبحانه، يُظهر مَن شاء من الصالحين من عباده - على لَمَحات من غيبه المكنون، ويأذن لهم أن يبوحوا بها في حدود إِلهية لا يتجاوزونها، ولحكم ربانية قد أحاط بها؛ لئلا يَدعِي مُدع أن الله أعلمهُ شيئًا من غيبه، إِلا إِذا جاء بسلطان بيِّن من لدن عالم الغيب والشهادة، وحسبنا بر


الصفحة التالية
Icon