وصدق منزله إذ يقول: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ (١) ولا عَجَب إذن أَن يكون هذا الكتاب المبينُ خاتمَ الكتب، كما أَن من أَنزله الله عليه هو خاتم النبيين، صلوات الله وسلامه عليهم أَجمعين؛ ولا شك أن سلامته من العوج برهان على أنه من عند الله، وشاهد على نبوة من أنزل عليه، وصدق الله إذ يقول: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ (٢). أَنزل الله تعالى كتابه لينذر الكافرين به ويحذرهم عذابا شديدًا صادرًا من عنده، عاجلا أَو آجلا جزاء كفرهم بكتابه وتكذيبهم له.
﴿وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا﴾:
أي ويبشر المؤمنين بهذا القرآن، الذين صدقوا إيمانهم وأَيدوه بالأعمال الصالحة المبينة في تضاعيفه، يبشرهم - بأن لهم أجرًا حسنًا، والمراد به الجنة وما فيها من النعيم المقيم والثواب العظيم، ويؤيد كونَ المراد بالأجر الحسن الجنة. قوله عز من قائل:
٣ - ﴿مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا﴾:
أي مقيمينَ في أجرهم وهو الجنة خالدين فيها أبدًا، لا يتحولون عنها ولا يزولون منها؛ إذ لا انتهاء لمكثهم وخلودهم، فضلا من الله ونعمةً ﴿وَاللَّهُ ذُوالْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ (٣).
وتقديم الإنذار على التبشير، للعناية بزجر الكفار عما هم عليه من كفر وضلال مع مراعاة تقديم التخلية على التحلية، وذلك نوع من بديع الكلام، بعد صدق المعنى وجزالته. ومصاحبة الأعمال الصالحة للإيمان الحق شرط لنيل الأجر الحسن، فإن الإيمان من غير العمل الصالح الذي شرعه الله تعالى ورضيه، كالشجر الذي لا ظل له ولا ثمر كما أن العمل الصالح الذي لا يُبنى على الإيمان الحق، وفق ما جاء به الكتاب المبين، وبعث به خاتم النبيين - لا وزن له عند الله تعالى.
(٢) سورة النساء، من الآية: ٨٢
(٣) سورة الجمعة، من الآية: ٤