﴿وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾:
أَي ويسِّر لنا من أمرنا هذا الذي نحن عليه من مهاجرة الكفار، - يَسِّر لنا - هدايةً إِليك وتثبيتا على الإِيمان بك والإِخلاص لك، حتى نكون من عبادك المهتدين الراشدين. وقال ابن كثير: أي وقدِّر لنا من أمرنا هذا رشدًا، أي اجعل عاقبتنا رشدًا، وما قضيت لنا من قضاءٍ فاجعل عاقبته رشدًا؛ وفي المسند من حديث بُسْر بن أَرطاةَ عن رسول الله ﷺ أنه كان يدعو: اللهم أَحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزى الدنيا وعذاب الآخرة.
١١ - ﴿فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا﴾:
أَي فاستجبنا دعاءَهم عقب ندائِهم، وأَنمناهم في الكهف آمنين مطمئنين، نومةً ثقيلة طويلة تشبه الموت، بلغت سنين كثيرة تُعَد عَدّا.
وسيأتي التصريح بعدد هذه السنين في قوله تعالى:

﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ﴾ الآية مع حكمة التأخير، التفصيل بعد الإِجمال.
وتخصيص الضرب على الآذان بالذكر، مع مشاركة سائر الحواس والمشاعر لها في الحجب عن الشعور والإِدراك عند النوم - لأَن الآذان هي الوسيلة إِلى التيقظ غالبا، ولا سيما عند انفراد النائم واعتزاله عن الخلق.
ولما كانت نومة أَهل الكهف في عمقها وطولها كأنها الموت، عبر عن إِيقاظهم منها بالبعث فقال سبحانه:
١٢ - ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا﴾:
أَي ثم أَيقظناهم من تلك النومة الشبيهة بالموت؛ لنظهر ما علمناه بشأن لبثهم، بإِيضاح الأحداث التي مرت بهم، حتى يتبين للناس أَىُّ الفريقين أدق إِحصاءً لمدة لبثهم: ألبثوا يومًا أو بعض يوم، أَم لبثوا أَحقابًا ودهورًا؟!
واعلم أن الله تبارك وتعالى يعلم أَزلا علمًا تفصيليًّا بكل ما يقع في الكون، طبقًا للأجل المسمى عنده، ووفقا لما قدره سبحانه وعلمه، فإذا حدَث ما قدّره، علِمَه واقعًا، بعد علمه أزلًا بأنه سيقع.


الصفحة التالية
Icon