أن قصة أهل الكهف كانت من علوم العرب وإِن لم يكونوا عالميها على وجهها. وقد ذكر المفسرون والمؤرخون كثيرا من أَخبارهم، نقلا عن محمد بن إسحق وغيره من أَصحاب السير (١)، وحسبنا ما قص علينا العليم الحكيم من نبئهم ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ (٢).
ثم بين سبحانه لطفه بهم، وجميل صنعه لهم، حينما عزموا على التوجه إِليه بعبادته وحده فقال:
١٤ - ﴿وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا... ﴾ الآية.
أي قوَّينا قلوبهم وثبتناهم على الحق حين قاموا في قومهم فقالوا كلمة الحق، لا يخافون إِلا الله، ولا يرجون أحدا سواه: قالوا ربنا وخالقنا هو رب السماوات والأرض وخالقها وحده، فهو الحقيق بألا نعبد إلا إِياه، وألا نتخذ إلها ولا رب سواه، هذا اعتقادنا الذي نحيا ونموت عليه، لن نتحول عنه أَبدا، وقولهم:
﴿لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا﴾: تأكيد لقولهم الحق الذي قالوه؛ واعتقادهم الحق الذي اعتقدوه.
أي والله لو قلنا غير هذا القول، وعبدنا مع ربنا الذي خلقنا إلها غيره - لكان قولنا هذا حينئذ بعيدا عن الحق والصواب غاية البعد، وكنا بعبادة غير ربنا وخالقنا مفرطين غاية الإفراط في الضلال والظلم!
وفي هذا القول الذي قاله الفتية دلالة على أنهم دُعُوا إلى عبادة الأصنام وحُمِلوا عليها وأُنذروا على تركها، وكان ذلك بين يدي الملك الجبار العابد للأوثان. وسيأتي بيان أمره معهم.
أخرج ابن النذر وابن أَبي حاتم أنهم خرجوا من المدينة فاجتمعوا وراءها على غير ميعاد فقال رجل منهم هو أَشجعهم: إِنى لأجد في نفسي شيئًا ما أَظن أَحدًا يجده، قالوا ما تجد؟ قال أَجد في نفسي أن ربي رب السماوات والأرض، فقالوا جميعًا نحن كذلك، فقاموا جميعًا فقالوا: ﴿رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.
(٢) سورة فاطر، من الآية: ١٤