مئات السنين بلا طعام ولا شراب، وجعل منظرهم يبعث الرعب والفرار منهم، ليكون ذلك أَدعى إلى سلامتهم، وأَدفع للشر عنهم، وأَبعد للوحوش المفترسة عن إيذائهم، وكل ذلك من آيات الله. وجاءت هذه الآية الكريمة لشرح حالهم بعد يقظتهم من هذا الرقاد الطويل الذي لم يغير شيئًا من ثيابهم ولا من شعورهم وأَجسادهم، فقد بينت أَنهم استيقظوا فتساءَلوا كم من الزمن لبثتم؟، فأجاب المسئول منهم سائِلَهُ بأنهم لبثوا نائمين يوما أَو بعض يوم، ولو طالت لحاهم أَو أظافرهم أَو بليت ثيابهم أو ضرب بياض الشيب شعرهم لما كان جواب المسئول لبثنا يوما أو بعض يوم، ولما بعثوا بعضهم ليشترى لهم طعاهًا بدراهمهم التي مضى على ضَرْبها مئات السنين، وقد حدثت هذه الآية على هذا النحو العجيب، ليُعْرفَ أمرهم، ويتبين للناس من حالهم أن الله يبعث من في القبور، كما سنعرض له في موضعه إن شاءَ الله تعالى.
والمعنى: أَنمناهم علي هذا النحو العجيب الدال على قدرتنا، ثم أَيقظناهم من نومهم على هيئة لا تغير فيها لشيءٍ من أحوالهم، لكي يسأل بعضهم بعضا: كم من الوقت لبثنا نائمين بعد أَن أَوينا إلى هذا الكهف مرهقين من رحلة الهرب من أهلينا المشركين، قال بعضهم جوابا للسائل: لبثنا يوم أَو بعض يوم، فاستراحت بذلك أجسادنا المكدودة.
والمشهور أَن نومهم كان غدوة وانتباههم كان آخر النهار، وحرف (أَو) في قول المجيب على السائل ﴿أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ يحتمل أَن يكون للشك في مدة لبثهم أهى يوم أو بعض يوم، لأنهم في جوف الغار ولوثةُ النوم لم تفارقهم بعد، وقال أَبو حيان إنها للتفصيل على معنى: قال بعضهم: لبثنا يوما، وقال آخرون: لبثنا بعض يوم، وقول كليْهما مبنى على غلبة الظن.
﴿قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾: قال بعض آخر التبس عليه الأمر: ربكم أَعلم بالوقت الذي مكثتم فيه نائمين، فلا سبيل إِلى التحقق من أَنه