ثالثة منهم: أهلُ الكهف سبعة وثامنهم كلبهم، يقولون ذلك عن ثقة وطمأنينة نفس (١)، ولذلك لم يتبع الله عبارتهم بما أتبع به عبارة من سبقهم، من أَنهم يرجمون بالغيب، بل أشار إِلى علمهم بقوله تعالى:
﴿قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ﴾: فهم من القليل الذين يعلمون عدتهم.
قال ابن عباس: "حين وقعت الواو انقطعت العدة" أي لم يبق بعدها عدة لأحد يلتفت إليها، وثبت أنهم سبعة وثامنهم كلبهم على القطع والبت. وقد نص عطاءٌ على أن هذا القليل من أهل الكتاب، وقيل من البشر، فقد صح عن ابن عباس أنه قال: "أَنا من أولئك القليل".
وقيل إن المختلفين في عددهم هم نصارى نجران، تناظروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الملكانية: هم ثلاثة رابعهم كلبهم، وقال اليعقوبية: هم خمسة سادسهم كلبهم، وقال النسطورية: هم سبعة وثامنهم كلبهم، وهذا القول في حكاية المختلفين مرْوِيٌّ عن ابن عباس رضي الله عنهما أما أسماؤهم، فقد خاض بعضهم في ذكرها، وعزوها إلى ابن عباس تارة، وإلى الأمامِ عَليّ تارة أخرى وكل منهما يخالف الآخر.
ونحن نرى أن لا دليل على ما ذكر في الروايتين في أسمائهم، فإنها لم تصل إِلى - ابن عباس أو علي أَو غيرهما عن طريق معصوم، ولعل هذه الأسماء كانت تذكر على ألسنة أهل الكتاب، فتسربت إِلى المجتمع الإسلامي عنهم، فالكف عن التقيد بها أولى.
﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾:
الخطاب للنبي ﷺ ولكل من يريد أَن يتحدث في أمرهم من أَهل العلم مع سواه ممن يخوض في شأنهم.
والمعنى: إذا كنت قد عرفت أن من يخوض في عددهم، منهم المخطىءُ ومنهم المصيب، فلا تجادلهم في شأن هؤلاء الفِتْية إلا جدالًا ظاهرًا لا عمق فيه، بأن تقتصر في أمرهم على ما نزل به الروح الأمين، من غير تجهيل للجاهل منهم ولا تفضيح لحاله، فإن ذلك يخل بمكارم

(١) ولهذا أكدوا عبارتهم بالواو في قولهم كما حكى الله عنهم "ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم" قال العلماء: هذه الواو تدخل علي الجملة الواقعة صفة للنكرة، كما تدخل على الجملة الواقعة حالًا عن المعرفة في نحو قوله: جاءني رجل ومعه آخر، ومررت يزيد وفي يده سيف، ومن الأول قوله تعالى: "وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم" وفائدتها توكيد لصوق الصفة بالموصوف - انظر الآلوسي في هذه الج


الصفحة التالية
Icon