لصحة الاستثناء في اليمين بالتعليق على مشيئة الله أن يكون متصلًا بالمحلوف عليه، قالوا: ولو صح جواز الفصل وعدم تأثيره في الأحكام، لما تقرر طلاق ولا عِتاقٌ ولا صح إقرار، ولم يعلم صدق ولا كذب. وكان أبو حنيفة لا يوافق على رأى ابن عباس، ويرى أَن التعليق بالمشيئة يجب اتصاله بما ارتبط به، فعلم بذلك أبو جعفر المنصور، فبعث إلى أَبي حنيفة ليلومه على مخالقته لرأى ابن عباس، فقال أبو حنيفة: هذا يرجع إِليك أَنت، إنك تأخذ البيعة على الناس بالأيمان، أَفَتَرْضَى أن يخرجوا من عندك فيستثنوا قائلين: إن شاء الله، فيخرجوا عليك؟ فاستحسن كلامه.
والحق في هذه المسألة أن الآية ظاهرة في أمر تفويض العبد في أُموره التي عزم عليها إلى مشيئة الله، فِإن نسيها ثم ذكرها فليقلها مهما كان الفاصل من الزمان، أما الأحكام في نحو الطلاق والعتاق والبيع والشراء ونحوها، فالآية لا صلة لها بها، ومن ثمَّ فما قاله ابن عباس راجع إلى التفويض لا إلى الأحكام، وعلى هذا فإن التعليق بالمشيئة في الأحكام إنما يَرْفَعُها إذا اتصل بها، فإِن انفصل عنها فلا يرفعها، فمثلا، له قال لزوجته: أَنت طالق، وعقبه بقوله: إن شاء الله لم تطلق، فإن تأخر التعليق بالمشيئة على الطلاق وانفصل عنه، وقع الطلاق - ولا نظن ابن عباس يخفي عليه شيءٌ من ذلك - والله أعلم.
ومعنى هذه الجملة بعد أَن اتضح المقام، واذكر ربك بالتعليق على مشيئته إنْ تَذكرتَها بعد أن نسيتها فيما عَزَمْتَ عليه من المقاصد، وقيل أَرجو أَن يوفقنى الله لشيء أقرب رشدا وَخَيْرًا من هذا الذي نسيت التعليق على مشيئة الله تعالى بشأنه.
وعلى ارتباط هذا الجزء من الآية بسبب النزول يكون المعنى: وقيل أيها الرسول عسى أن يوفقني ربي لشيء أقرب من نبإ أصحاب الكهف إرشادًا للناس ودلالة على نبوتي.
وإِلى هذا المعنى ذهب الزجاج، وقد حقق الله لرسوله هذا فقد آتاه الله من الآيات ما هو أعظم من ذلك وأَبين، كقصص الأنبياء في الأعصار والدهور البعيدة، والحوادث التي سوف تنزل في المستقبل إلى يوم الساعة، إلى غير ذلك بما يبدو نبأ أَهل الكهف بالنسبة إِليه أمْرًا هينًا ضئيلًا - مع عظمة وَرفْعَةِ ش