وبه ختم عليه السلام مقاله إذ قال: ﴿إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾.
والاستفهام هنا للتقرير، وفيه معنى التنبيه والتشويق، كما تقول لصاحبك: هل بلغك الخبر الفلانيّ؟ فيتنبه ويشتاق لسماع الخبر، فإذا سمعه تقرر في نفسه، لأَنه أَتاه على شوق.
ويقرب من هذا المعنى ما قيل: إِن حرف الاستفهام هنا بمعنى قد، أي قد جاءك خبر موسى وقصته، حين رأَى نارا في ابتداء الوحى إليه، وتكليم ربه إياه، وذلك بعد ما قضى الأجل الذي كان بينه وبين صهره في رعاية الغنم، وسار بأهله قاصدًا مصر بعدما طالت غيبته عنها، فضلَّ الطريق المسلوك في ليلة شاتيةٍ باردة مظلمة، وجعل يقدح بزنْدٍ معه؛ ليورى نارًا فلم يُخرِج شررا.
فبينما هو كذلك، إِذ ظهرت له نارٌ من جانب الجبل عن يمينه، فاستبشر وبَشَّر أَهله بما رأى، وذلك قوله تعالى:
﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾:
أَمر أَهله أَن يقيموا مكانهم، راجيًا أن يجيئهم بشعلة يقتبسها من النار التي رآها ليوقدوا منها ويستدفئوا، أَو أن يجد حول النار هاديًا يرشد إلى الطريق، وقد تاه عنه في ظلام الليل، والخطاب بصيغة الجمع للزوجة والولد (١). أَو الخطاب للزوجة وحدها، والجمع للتفخيم، كما في قول الشاعر يخاطب امرأَة واحدة.
وإِن شئتُ حرمت النساء سواكمو (٢).
وكانت النار في شجرة عنَّابٍ خضراء يانعة، كما روى عن ابن عباس رضي الله عنه.
١١ - ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى﴾:
أي فلما بلغ مكان النار التي أبصرها ناداه ربه قائلًا: يا موسى.

(١) الاثنان جمع لغوى، حيث جمع أحدهما بالآخر وضم إليه، وقد نقل عنه - ﷺ -: الاثنان فما فوقهما جمع.
(٢) أشبعت ضمة الميم فتولدت عنها واو لضرورة الشعر.


الصفحة التالية
Icon