واختار الآلوسى ذلك في تفسيره، وقال إنه حسن جدًا، وقد فوض فرعون إلى موسى عليه السلام أَمر الوعد الذي طلبه منه، مع إعلانه الوفاء به، ليثبت لنفسه أَنه متمكن من تهيئة أَسباب المعارضة، وإِعداد وسائل المغالبة طال الأَمر أَو قصر، قاصدًا إِلى إِرهاب موسى عليه السلام منه ومن سحرته، ولكنه عليه السلام فَوت عليه ما قصد إِليه، فأَسرع إلى الاستجابة إِلى طلبه بما حكاه الله عنه بقوله سبحانه:
٥٩ - ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾:
أَي وقت وعدكم يوم الزينة، وهو يوم عيد لهم يجتمعون فيه ويمرحون، ويفاخرون ويزدانون فيه بأَنواع الزينة، أَو هو يوم سوق لهم يزِّينونه ويتزَينون له، وقيل غير ذلك.
وأياما كان المقصود به، فهو يوم معروف عندهم بأنه يوم اجتماع لهم وزينة، وبسبب ذلك اختاره موسى عليه السلام للاجتماع الذي طلبه فرعون، حتى يشهد العدد الكثير بطلان معارضة السحر لخوارق الآيات النبوية، ليكون انتصار الحق، وخذلان الباطل في يوم مشهود، ويشيع أَمره بين القاصى والدَّانى.
ولم يكتف موسى عليه السلام بتحديد ذلك، بل جعل إِبراز المعجزة في وقت يكثر فيه اجتماع الناس في ذلك اليوم حيث قال:
﴿وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾: أَي موعدكم يوم الزينة وقت الزينة وقت أَن يجتمع الناس فيه وهو وقت الضحى، حين يبدأُ ارتفاع الشمس في الأُفق ليكون الوقت مُتَّسعًا لأن يأْتوا بكل ما عندهم من سحر وإفك، قطعًا لعذرهم وإظهارًا لعجزهم، وإِبرازًا لخسرانهم، وبعد أَن استمع فرعون إِلى قول موسى عليه السلام، وقع منه ما حكاه الله جل شأْنه بقوله سبحانه:
٦٠ - ﴿فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى﴾:
أَي فانصرف عن المجلس بدون إِبطاء، فأَخذ في جمع السحرة من أَرجاءِ مملكته، للاستعانة بما لديهم من حيل ومكر قائلًا: ﴿ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ﴾ (١) فجمع السحرة، وأَخذ يرغبهم ويعدهم بالغلبة، وعظيم المكافأَة، وذلك ما يحكيه الله بقوله:
﴿قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (٤١) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ (٢).
(٢) الشعراء، الآيتان: ٤