التفسير
٦٢ - ﴿فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى﴾:
لما سمعوا كلامه عليه السلام حين أنذرهم وحذرهم عاقبة أَمرهم، فَكَّرُوا فيما طرق أَسماعهم فتناولوا أَمرهم الذي طلب منهم أَن يفعلوه، وهو مغالبة موسى والانتصار عليه. وتشاوروا بينهم في رسم الطريقة الناجحة في معارضته والانتصار عليه، وأَسرُّوا الحديث الذي دار بينهم مبالغة في إِخفائه عن موسى وهارون عليهما السلام. وكانت نتيجة نجواهم - على ما قاله جماعة منهم الجبَّائي وأَبو مسلم - ما حكاه قوله تعالى:
٦٣ - ﴿قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ... ﴾ الآية.
أَي صدر عنهم بعد المناقشة والمناظرة قولهم الذي اتفقوا عليه وأكدوه، وهو اتهام موسى وهارون عليهما السلام بالسحر، وأَنهما خبيران بصناعته، يريدان أَن تكون لهما الغلبة عليكم، وأَن يستتبعا الناس لهما، ويقاتلاكم فَينتَصرا عليكم ويخرجاكم من أَرضكم مصر بسحرهما الذي أَظهراه.
﴿وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾: أي يبطلا مذهبكم الذي هو أَمثل المذاهب وأَفضلها وهو ما كان عليه فرعون، وإنما يفعلان ذلك رغبة منهما في إظهار مذهبهما وإِعلاء دينهما، وقيل: ويذْهبا بأَهل طريقتكم المثلى، وهم أَشرافكم وذوو الرأْى فيكم، ولقد جاءَ هذا الرأْى من السحرة في حق موسى وهارون، متابعةً منهم لفرعون وموافقةً على ما قاله للملإِ حوله، وذلك ما حكاه في سورة الشعراء: ﴿قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ (١).
٦٤ - ﴿فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا.... ﴾ الآية.
كأَن بعضهم قال لبعض: ما دام أَمر موسى وهارون كما ذكر من كونهما ساحرين، يبتغيان الاستيلاءَ على أَرض مصر، وإِخراجكم منها، فأجمعوا كل كيْد لكم، وكونوا صفًّا واحدًا ورأْيًا مجتمعًا، بحيث ترمون به عن قوس واحدة، فإِن ذلك أَدعى إلى هيبتكم، وإِبراز كثرتكم، ولذلك أَثره في أَن تكون لكم الغلبة عليهما.