أمام عظمة القرآن وبلاغته، فزعموا أَنه افتراه بفصاحته، ونسبه وحيًا إلى الله، ثم اشتد تخبطهم فعدلوا إلى وصفه بأنه شاعر يجيد صوغ الشعر، ويحسن سبكه ويسحر ببلاغته من يسمعه، حتى يحمله على اتباعه، متجاهلين أَن محمدًا الذي نشأَ بين أظهرهم لا يعرف الشعر ولم يزاوله في حياته: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ (١).
وفي الطبرى أن هذه الدعاوى المفتراة، والمزاعم المختلفة على رسول الله - ﷺ - كانت لطوائف من المشركين لكل طائفة فريتها التي كفرت بها. يقول رحمه الله في تفسير الآية: "ما صدقوا بحكمة القرآن ولا أَنه من عند الله، ولا أقروا بأَنه وحى أَوحاه الله إلى محمد - ﷺ - بل قال بعضهم: هو أهاويل رؤيا رآها في النوم، وقال بعضهم: هو فرية واختلاق افتراه على الله، واختلقه من قِبَل نفسه، وقال بعضهم: بل محمد شاعر وهذا الذي جاء به شعر" اهـ.
وهذا التنقل في أَباطيلهم ومفترياتهم مع علمهم أَنه على الحق، ناشئ عن استكبارهم وعنادهم، حتى قالوا: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ (٢). وصدق الله العظيم إِذ يقول: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ (٣).
﴿فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾: أَي إن كان محمد صادقًا فيما ادعاه من أن الله بعثه للناس رسولًا، وأَنزل معه كتابًا، وأن الذي يتلوه وحى يوحى إليه من الله، ويريدنا على تصديقه فليؤيد قوله بمعجزة كونية تدعم دعواه، كمن سبقه من المرسلين، مثل إِحياء الموتى وإِبراء الأكمه والأَبرص على يد عيسى، وكعصا موسى، وناقة صالح وغيرها، فإن فعل ذلك آمنا به وصدقناه، ودعونا الناس لدعوته، وأعناه على تبليغ رسالته.
٦ - ﴿مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ﴾:
لما اقترحوا على الرسول - ﷺ - أن يأتى بآية تثبت لهم نبوته كمعجزة صالح وموسى وعيسى وغيرهم من المرسلين نزل قوله تعالى: ﴿مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا﴾: أَي أَن أي قرية أَهلكناها كانت غير مؤمنة فاقترح أَهلها آيات كالتى تريدها

(١) سورة يس، آية: ٦٩
(٢) الزخرف، الآية: ٣١
(٣) الأنعام، من الآية:


الصفحة التالية
Icon