١٠ - ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ..... ﴾ الآية.
التنوين في ﴿كِتَابًا﴾ للتعظيم، والمعنى: لقد أنزلنا على رسولنا كتابًا عظيمًا، فيه تذكير وموعظة لكم، كما أن فيه عزكم وشرفكم، إن آمنتم به، وصدقتم من بلَّغه، كما قال سبحانه: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ (١): أَي شرف لمن اتبعه، وعمل بما جاءَ به.
﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾: الاستفهام للإنكار والتوبيخ، أَي ألا تتفكرون فلا تعقلون، وفيه معنى الأمر، أَي تَفَكَّروا لكي تدركوا فيم يكون خيركم؟ وفيه الإشارة إلى أَن من أعرض عما جاء به الرسول فلم يُعْمِلْ عقله فيه، ولم يتدبر أمره، موسوم بعدم التعقل وقلة التبصر، وهو ما لا يليق بعاقل، ومثله في المعنى قوله تعالى: ﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ﴾ (٢). وهل يعرض عن داعية الشرف والاتعاظ عاقل؟
١١ - ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾:
هذه الآية وما بعدها لتفصيل ما أُجمل في قوله تعالى: ﴿وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ﴾ وبيان لكيفية إهلاكهم.
والمعنى: إن سنتنا التي لا تتغير هي أَن نأْخذ الجاحدين بالآيات إِذا ما لجُّوا في ضلالهم وكثيرًا من الأُمم قصمنا أي: أَهلكناها إهلاكًا تامًا، ودمرناها تدميرًا كاملًا. فالمراد بالقرية أَهلها على حد: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾، وتلك القرى التي أَهلكناها كانت ظالمة لنفسها بكفرها ومعاصيها، ظالمة للرسل والمؤمنين بالتكذيب والاضطهاد، وملاحقتهم بالكيد والإيذاء، وأنشأْنا بعد إهلاك هذه القرى الظالمة قومًا آخرين ليسوا منهم، حلوا في أَماكنهم، وسكنوا قراهم، والظاهر أَن هذه القرى المهلكة لا يراد بها قرى معينة، وقيل: إِن المراد بها قرية باليمن تسمى "حضور" قتل أَهلُها نبيَّهم، فانتقم الله منهم أَبلغ انتقام لبلوغهم في الكفر أبشع ما يكون وهو قتل الأَنبياء، والرأى الأول هو الظاهر، فإن لفظ: ﴿كَمْ﴾ يدل على كثرة القرى المهلكة فكيف يُرَادُ به قريةٌ واحدة بعينها؟.

(١) الزخرف، من الآية: ٤٤ والذكر بمعنى الوعظ أو الشرف والعز.
(٢) المؤمنون، من الآية:


الصفحة التالية
Icon