الأرض، مرفوعا عنها بدون عَمَد ظاهرة يرتكز عليها، ودعائم يستند إِليها، وذلك كقوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ (١). فقد أمسكها الله تعالى بقوانين تقتضى حفظها مرفوعة في الفضاء بقدرته، إلى أن يشاء الله انفطارها، وانتثار كواكبها ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ (٢).
وقيل: وجعلنا السماء سقفًا محفوظًا بالملائكة أَو بالنجوم من أَن يسترق الشياطين السمع، ودليله: ﴿وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ﴾ (٣).
وقيل: سقفًا محفوظًا من الفساد والانحلال إِلى الوقت المعلوم الذي تطوى فيه السماءُ كَطَيِّ السجلِّ للكتب، وقد روى ذلك عن قتادة.
﴿وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾: أَي وهم عن آيات السماء الدالة على الوحدانية وكمال القدرة ذاهلون لا يتدبرون في ليلها ونهارها، وشمسها وقمرها، ونجومها وكواكبها، ورياحها وسحابها وغيرها، ولو تأملوها أدنى تأمل لهداهم التأمل إِلى الإيمان واليقين، ولكنهم آثروا الإعراض عنها والبقاء على ما هم عليه من كفر وضلال.
٣٣ - ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ.... ﴾ الآية.
هذا بيان لبعض تلك الآيات التي هم عنها معرضون، جاء على طريق الالتفات من التكلم فيما سبق إِلى الغيبة هنا، لتأكيد الاعتناء بفحوى الكلام الذي يُذَكِّرهم الله فيه بأنه جل شأنه هو الذي خلقهن وحده، لخيرهم ومنفعتهم، فخلق الليل ليسكنوا فيه، حتى يستريحوا من مشاق العمل ومتاعبه، وخلق النهار لينصرفوا مع إشراقته إلى الدأب والسعى لتحصيل أَرزاقهم التي يسرها الله لهم، وجعل الشمس آية النهار ليستضيئوا بها وينعموا بدفئها، وجعل القمر آية الليل ليهتدوا بنوره المستمَدِّ من ضوء الشمس، ولهما أثرهما النافع في حياة النبات ونموه وخُضرته وإيتاء أُكُلهِ، وبهما يعلم عدد السنين والحساب.

(١) سورة الرعد، من الآية: ٢
(٢) سورة إبراهيم، الآية: ٤٨
(٣) سورة الحجر، الآية: ١٧


الصفحة التالية
Icon