والمعنى: بل أللمشركينِ آلهة تحفظهم وتحميهم من عذاب يأْتيهم من جهتنا، فهم مُعوِّلُون عليها واثقون بها، كلاّ فهم كما قال الله:
﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ﴾: وهو استئناف مؤكد لما قبله من الإنكار، وموضح لبطلان اعتقادهم في أَن تستطيع تلك الآلهة أَن تدفع عنهم ما ينزل بهم من شدائد وويلات، حيث إن آلهتهم لا يستطيعون أن ينصروا أنفسهم، ولا يجدون من يجيرهم ويدفع عنهم قضاءً من جهتنا، بل هم في غاية العجز، فكيف يتوهم أن ينصروا عابديهم، ويستجيبوا لمن يدعونهم من دوننا.
وقيل: ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ﴾: أُريد به الكفرة، وروى ذلك عن قتادة وابن عباس - رضى الله تعالى عنهما - على معنى لا يستطيع الكفار نصر أنفسهم بآلهتهم، ولا يصحبهم نصر من جهتنا.
٤٤ - ﴿بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ........ ﴾ الآية.
إِضراب انتقالى عما تدل عليه الآية السابقة من بطلان توهم نصر آلهتهم - إلى الإخبار بأنهم إِنما وقعوا في هذا التوهم الباطل بسبب أَننا متعناهم وآباءَهم بما يشتهون من النعمة وطال عليهم العمر فيها، حتى ظنوا أنها لا تزول عنهم، فافتروا وأَعرضوا عن التدبر والتفكر في آيات ربهم، وبعدوا عن الحق واتبعوا ما سولته لهم أَنفسهم.
﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾: يذكر الله قريشًا في هذه الآية الكريمة بعاقبة الكفرة من حولهم، وأَنهم لما بطروا نعمة الله عليهم وكفروا بها أهلكهم وأزال دولهم، وانتقص الأَرض من حولهم، بتخريبها بعد عمرانها، وكذلك يجزى الله الكافرين.
والمعنى: أَعَمِىَ هؤلاءِ المشركون بمكة فلم يروا أَنا نأتى أرض الكفرة من حولهم، فننقصها من جوانبها، بتخريب مدنها، والقضاء على عمرانها، وإِهلاك أهلها عقابًا لهم على كفرهم بنعم ربهم وآياته، كما حدث لقرى عاد وثمود وقوم لوط وسبإٍ وغيرهم.
﴿أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾: أَي أَبَعْدَ خراب مدنهم، وإهلاك أَهلها لكفرهم يعتبرون الغالبين؟ كلاَّ، بل هم المغلوبون، ومصيركم يا معشر قريش سوف يكون كمصيرهم: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ (١).