ويشير إِلى ذلك قوله تعالى:
٥٨ - ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾:
أَي: فعمد إِبراهيم إِليها تكسيرًا وتقطيعًا حتى صارت قطعا صغيرة. وإنما استثنى كبير الأصنام دون جَذٍّ وكسر؛ لكي يرجعوا إليه ويستخبروه الخبر، فلا يجدوا عنده جوابًا، فهو الجماد الذي لا ينطق، ولعلهم حينئذ يستيقظون من سباتهم، ويتنبهون من غفلتهم، ويكون ذلك سببًا في إقلاعهم عن عبادة الأَصنام، والرجوع إلى دين إِبراهيم، والإيمان بالله رب السموات والأَرض دون سواه، فلما عادوا إِلى أَصنامهم عجبوا لما أَصابها، ولم يستدلوا بذلك على حقارتها، بل حدث منهم ما حكاه الله بقوله:
٥٩ - ﴿قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾:
أَي: قالوا - سائلين على سبيل التعجب والتأْثيم والوعيد - قالوا: مَنْ أَحدث هذه الفعلة الشنعاءَ بآلهتنا ومعبوداتنا فنالها بالتحطيم والتكسير؟ ثم وصفوا المحطِّم لها بقولهم:
﴿إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾: مؤكدين ظلمه وتعديه بإِنَّ ولام القسم - يعنون: أَنه بما فعل قد ظلم الآلهة بالاعتداءِ عليها، وظلم نفسه بتعرضه لسخطها - كما يزعمون ويتوهمون - كما أَنه ظلم عشيرته وقومه بإهانتهم في تكسير آلهتهم.
٦٠ - ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾:
أَي: قال الذين سمعوا إِبراهيم يعيب الأَصنام وعبادتها، ويدعو إلى إِله غيرها:
إِنا سمعنا فتى يذكر آلهتنا بسوءٍ، واسم هذا الفتى إبراهيم، فلم يذكر أَحد آلهتنا بسوءٍ غيره، ولم يستهزئ بها وينكر أُلوهيتها سواه، فيغلب على ظننا أَن يكون هو الذي فعل بها ما نرى.
وفي تعبيرهم عن إِبراهيم بقولهم: ﴿يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ استهزاءٌ به وسخرية منه وإغراءٌ به، وتشغيب عليه للنيل منه.
وضمير الجماعة في قولهم: ﴿يَذْكُرُهُمْ﴾: يشير إِلى أَنهم كانوا يضفون على هذه الأصنام صفات العقلاءِ وأَنها تضر وتنفع.
٦١ - ﴿قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾:
أَي: أَنهم لما شاهدوا كسر الأصنام، وقيل لهم: إِن فاعل هذا يُظَنُّ أَنه إبراهيم؛ لأَنه كان يذكرها بسوءٍ، قالوا: فأْتوا به في مكان ظاهر بحيث تراه كل عين وتشاهده؛ ليش