قوله تعالى: ﴿قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ﴾ (١). ثم جمعوا له الكثير من صلاب الحطب، وأوقدوا نارا عظيمة ثم اتخذوا منجنيقًا ووضعوا فيه إِبراهيم مقيدًا مغلولا، وقذفوه في النار، فأَتاه جبرائيل - عليه السلام - وقال: يا إبراهيم هل لك حاجة؟ قال له: أَما إِليك فلا. قال جبرائيل: فاسأل الله ربك، قال: حسبى من سؤالى علمه بحالى، فقال الله تعالى: ﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ وبهذا رد الله كيدهم إِلى نحورهم.
قال أَبو حيان في (البحر): قد أكثر الناس في حكاية ما جرى لإبراهيم عليه السلام، والذى صح هو ما ذكره الله تعالى من أَنه عليه السلام أُلْقى في النار فجعلها الله عليه بردًا وسلاما، وبقول أَبي حيان نقول، والله أعلم.
٧٠ - ﴿وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ﴾:
أَي: أَرادوا بإبراهيم عليه السلام مكرا عظيما في الإِضرار به؛ عقابا له على دعوة التوحيد التي جاءَ بها، وظنوا أَنهم سينالون ما يريدون، وأَخذوا لذلك أَسباب إِهلاكه، من إِشعال النار وطرحه فيها، ولكن ضل سعيهم، وباءَ عملهم بالفشل الذريع، فقد جعل الله النار عليه بردا وسلاما، وكان ما فعلوه هو البرهان القاطع على أنه - عليه السلام - على الجادة والصراط المستقيم، وهم على الباطل، فجعلهم الله بذلك أَخسر الخاسرين، وأَتْعَس الماكرين المبطلين.
٧١ - ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾:
أَي: وأَتممنا على إِبراهيم النعم بأَن نجيناه من هؤلاءِ القوم فرحل من بلادهم بالعراق وقال: ﴿إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾ (٢). وهاجرت معه زوجته سارة وابن أَخيه لوط بعد أَن آمن به، ورحلوا معا إلى الأرض المباركة، أَرض الشام التي باركها الله، بأَن جعلها مهبط كثير من الأنبباءِ، ومهد معظم الرسالات، كما أكرمها بكثرة خيراتها وزيادة ثمارها وتدفق المياه
(٢) سورة العنكبوت، من الآية: ٢٦