٧٣ - ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا.... ﴾ الآية.
أَي: وأَعددناهم ليكونوا أَنبياءَ هداة وأَئمة يقتدى بهم الناس ويتبعون سبيلهم؛ فهم الأُسوة الحسنة والقدوة الطيبة، إذ الدعوة بالعمل مع القول آكد وأَقوى وأَكثر نفعًا من الدعوة بالقول وحده، ومع كونهم قدوة لغيرهم في عقائدهم وسلوكهم، فهم يهدون بأَمرنا أَي: يدعون الناس إلى دين الله بإِرشاد ووحِي منا، وقد بين الله ما أَوحاه الله إليهم ليعملوا به ويبلغوه فقال:
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ﴾: أَي وشرعنا لهم فعل الطاعات والمبرات التي يسعد بها البشر في دنياهم وأُخراهم، ومن أَعظم هذه الخيرات التي شرعناها لهم: إِقام الصلاة، أَي: أَداؤها تامة كاملة على خير الوجوه في أَوقاتها، وإِيتاء الزكاة لمستحقيها مما يحبون ومن خير ما يملكون، لا يدفعهم إِلى بذلها رغبة أَو رهبة من أَحدٍ إِنما يقدمونها ابتغاءَ مرضاة ربهم.
فأَنت ترى أَن الله خصَّ الصلاة والزكاة بالذكر مع دخولهما في الخيرات التي أَوحاها وشرعها، لأَن الصلاة أَشرف العبادات البدنية، والزكاة أَفضل القربات المالية، ومجموع العبادتين تعظيم للخالق، ورحمة بالمخلوق.
وقد جمع الله لهؤلاءِ الصفوة من خلقه فضائل الصفات، وكرائم الشمائل، فوصفهم بالصلاح لأَنه أول مراتب السائرين إِلى الله تعالى، ثم زادهم فضلا فوصفهم بالإِمامة والقدوة، ثم وصفهم بالنبوة والوحى.
وبعد أَن بين أَصناف نعمه عليهم بَيَّن اشتغالهم بعبوديته فقال:
﴿وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾: أَي: خاشعين لا يستكبرون عن عبادتنا، ولا يتجهون بها إلى أَحد سوانا فقد قابلوا إحسان الله عليهم بإِخلاص العبودية له وحده.