﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ﴾: وأَنعمنا عليه بأن نجيناه وحفظناه من كيد أَهل قريته، وخيانتهم له، ومن الهلاك معهم عندما قلبها بهم ودمرها عليهم، جزاءَ ما ارتكبوا من المنكرات، وكان أَشدها فحشا إتيانهم الذكران، والاستغناءَ بهم عن الحلال الطيب من نسائهم.
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ﴾: إِنهم قد طبعوا وجبلوا ونشأُوا خارجين عن طاعة ربهم، مرتكسين في الرذيلة، فكان إِتيانهم الفواحش متفقا مع خسيس طبائعهم ومرذول جبلتهم.
٧٥ - ﴿وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾:
أَي: وأَدخلنا لوطا في رحمتنا، وأَحطناه بفضلنا وجزيل عطائنا، فمنحناه النبوة وهى قمة المنح، فأَى رحمة أَفضل وأَتم وأَكمل من اصطفاءِ الله لعبده واختياره ليكون مُبلغا عنه تعالى وهاديا لقومه، ويجوز أَن يراد من الرحمة الجنة، أَي: أَدخلناه في جنتنا؛ لأَنه من الصالحين.
٧٧، ٧٦ - ﴿وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾:
المعنى: واذكر - يا محمد - نبأَ نوح وقت أَن اشتد به الكرب، من أَذى قومه تارة بالتكذيب والتسفيه، وأُخرى بالكيد والسخرية، فالتجأَ إِلينا مستعينًا بنا، ودعانا بقوله: ﴿أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ (١) وطلب منا أَن نهلك جميع الكافرين من قومه بقوله: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ (٢) وذلك بعد أَن أَعلمناه أَنه لن يؤمن من قومه إِلا من قد آمن، فاستجبنا له وحققنا ما طلب فنجيناه وخلصناه من الحُزْن والضيق العظيم ونصرناه من قومه الذين كذبوا بآياتنا، حيث حميناه من شرهم، فإنهم كانوا أَهل سوء وقبح وفساد، وجعلنا عاقبتهم جميعا الإِغراق بالطوفان بعد أن أنجينا نوحا ومن آمن من قومه.

(١) سورة القمر، من الآية رقم: ١٠
(٢) سورة نوح، من الآية رقم: ٢٦


الصفحة التالية
Icon