المراد بالزلزلة: ما يحدث يوم القيامة بعد النفخة الثانية من تغييرات كونية، يشير إليها قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ (١) والمعنى الإِجمالى للآية: يأَيها المكلفون من الناس ذكوركم وإِناثكم، معاصرين لنزول الوحى أَو بعده إِلى يوم القيامة: اجعلوا لأَنفسكم وقاية وحماية من عذاب ربكم وذلك بطاعته فيما أَمركم به أَو نهاكم عنه، فإن زلزلة الساعة وأَهوال يوم القيامة، شىءٌ عظيم الخطر منبىءٌ عن مجىءِ الوعد الحق، حيث تحاسبون على أَعمالكم وتجزون عليها.
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ (٢)، فالعاقل من أَخذ من يومه لغده، وعمل لما بعد الموت.
وبعد أَن نَبَّه الله على خطورة الساعة بتعظيم زلزلتها وتهويلها، عقب ذلك ببيان بعض آثارها على الناس فقال:
٢ - ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾:
تضمنت هذه الآية ثلاثة آثار لزلزلة الساعة، وما أَحدثته من هول ورعب "أَولها" أَن الأُم التي ترضع وليدها في حنان وإِقبال عليه، تراها حين تحدث زلزلة الساعة الرهيبة، تنسى وليدها الذي تضعه في حجرها، وتنحنى عليه وقد أَلقمته ثديها، تنساه من الرعب الذي هز كيانها، وعطل أُمومتها وأَذهل عقلها وجمد حنانها، وما كانت لتنساه لولا أن الخطب شديد "وثانيها": أَنك ترى الحوامل من شدة الهول والفزع تتعطل أَجهزة الإمساك في أَرحامهن فتنحدر الأَجنة دون إِرادة منهن، ولا يمر الأَسى بقلوبهن على أَجنتهن، فالرعب من الحاضر والخوف من المستقبل يستولى على مشاعرهن "وثالثها": أَنك ترى الناس فقدوا الوعى والرشاد، حتى تحسبهم سكارى من الفزع والاضطراب والهذيان.
والكلام على طريق التمثيل، وأَنه لو كان هناك مرضعة ورضيع لذهلت عنه حال إِرضاعها إِياه لشدة الهول، وكذا ما بعده، لأنه لا حمل ولا رضاعة ولا سكر يوم القيامة أما إذا أُريد من الزلزلة ما ورد حدوثه منها قبيل قيام الساعة وقبيل طلوع الشمس من مغربها، فيجوز حمل الكلام على حقيقته.

(١) سورة، إبراهيم الآية: ٤٨
(٢) سورة الزلزلة، الآية:


الصفحة التالية
Icon