الخرفِ والخيالات التي لا أَصل لها، حيث يعود إلى ضحالة الطفولة وسذاجتها وسوءِ التصرف فيها.
وقد أَوصى الله الأَولاد بالإِمعان في الإِحسان إِلى الوالدين في هذه المرحلة الخطيرة، والتجاوز عما عسى أَن يحدث فيها منهم، وأَلا يقابلوهم بالتأَفف والانتهار، إِذ قال: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ (١).
وقد أَجمل الله أَطوار حياة الإِنسان بصورة أُخرى غاية في الاختصار والبلاغة، حيث قال في سورة الروم:
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ (٢).
وهذه الأَطوار التي نشاهدها في خلق الإِنسان، نشاهد مثلها في الحيوان والنبات، وينتهى الكل إِلى ممات، ولا يبقى سوى الديان ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُوالْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ (٣).
﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾:
هذا دليل آخر يسوقه الله تعالى حجة على أَن البعث حق لا شك فيه، والخطاب فِيه لكل ذى عينين ممن يجادلون في البعث وغيرهم، والمعنى: وترى أَيها الإنسان بعينيك - ترى الأَرض - يابسة لا نبات فيها فإذا اشتملت على البذور وأَنزلنا عليها الماءَ، دبت الحياة إِلى البذور، فأخرجت جذورها لتعلق بجوف الأَرض وتتثبت بها - كما علقت النطفة برحم الأُم وتشبثت منه بقرار مكين - وأَخرجت براعمها وأَشطاءَها فوق سطح

(١) سورة الإسراء، الآيتان: ٢٣، ٢٤
(٢) الآية: ٥٤
(٣) سورة الرحمن، الآيتان: ٢٦، ٢٧


الصفحة التالية
Icon