والأَشجار، إِن الله يفعل ما يريد، فيثيب المحسن جزاءَ إِحسانه ويعاقب المسىءَ جزاءَ إِساءَته ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ﴾.
١٥ - ﴿مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ﴾:
تضمنت الآيات السابقة سُوءَ حال طوائف من الكفار وسوءَ عاقبتهم، وحسن حال المؤمنين بالله ورسوله وجزيل ثوابهم، ولما كان ما يصيب هؤُلاءِ وأُولئك يعتبر نَصْرًا من الله لرسوله، جاءَت هذه الآية لتؤَكده وتحققه، وتتحدى من يقف في سبيله - ﷺ - وتعده بالنصر الحاسم في الدارين.
والمعنى: أَنه تعالى ناصر رسوله - ﷺ - في الدنيا بإِعلاءِ كلمته وإِظهار دينه، وفي الآخرة بإِعلاءِ درجته، وإِدخال من صدَّقه جنات تجرى من تحتها الأَنهار، والانتقام ممن كذبه بعذاب الحريق، لا يصرفه عن ذلك صارف، ولا يمنعه مانع، فمن كان يغيظه ذلك من أَعاديه، ويظن أَنه تعالى لا يحققه، بسبب مدافعته ومكايده، فليبالغ في استفراغ الجهد فغاية أَمره خيبة مساعيه، وعقم مقدماته وفساد مؤامراته، وبقاءُ ما يغيظه من نصر الله لرسوله، وقد وضع مقام هذا الجزاء قوله تعالى: ﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ﴾ لغرض التحدى والتهكم، ومعناه: فليمدد بحبل إِلى سقف بيته ثم ليختنق بهذا الحبل الذي وضعه غُلاًّ في عنقه، فلينظر وليتأَمل هل يشفيه من الغيظ قتله نفسه حسرة على نصر الله لرسوله؟ وتفسير القطع بالاختناق مروى عن ابن عباس ومجاهد وعطاءٍ وغيرهم، مأْخوذ من قطع إِذا اختنق، لأَن الغُلَّ يقطع النفس إِذا ضاق على العنق.
وخلاصة معنى الآية: من ظن أَن الله لا ينصر نبيه محمدا وكتابه ودينه وأُمته المؤمنة، وكان هذا النصر يغيظه، فليذهب فليقتل نفسه فإن الله ناصره لا محالة، قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (٥١) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ (١).

(١) سورة غافر، الآيتان: ٥١


الصفحة التالية
Icon