وثالثها: الصابئون، وقد جاءَ عنهم في كتاب - الملل والنحل - للشهرستانى: أَنهم كانوا على عهد إِبراهيم - عليه السلام - ويقال لمقابليهم: الحنفاء، وكانوا يقولون: إِنا نحتاج في معرفة الله تعالى ومعرفة طاعته وأَحكامه - جل شأْنه - إِلى متوسط روحانى لا جسمانى - ومدار مذهبهم على التعصب للروحانيات، وكانوا يعظمونها غاية التعظيم ويتقربون إليها، ولما لم يتيسر لهم التقرب إِليها والتلقى منها بذواتها، فزعت جماعة منهم إِلى هياكلها، وهى السبع السيارات وبعض الثوابت، فصابئة الروم مفزعها السيارات، وصابئة الهند مفزعها الثوابت، وربما نزلوا عن الهياكل إِلى الأَشخاص التي لا تسمع ولا تبصر ولا تغنى شيئًا وهى الأَصنام.
والفرقة الأُولى هم عبدة الكواكب، والثانية هم عبدة الأَصنام. وقد أَفحم إِبراهيم كلتا الفرقتين وأَلزمهم الحجة - وذكر الشهرستانى في موضع آخر من كتابه: أَن ظهورهم كان في أَول سنة من ملك طهمورث من ملوك الفرس اهـ (١) وذكر صاحب كتاب "الصابئة" أَنه توجد في سهول الموصل جماعة منهم يؤْمنون بأَن الخالق واحد أَزليٌّ لا أول لوجوده ولا نهاية له، منزه عن عالم المادة والطبيعة، وهو الذي أَوجدها، ولكنهم مع هذا يتقربون إِليه بعبادة الأَفلاك والكواكب، زاعمين أَنها أَقرب الأَجسام المرئية إلى الله تعالى، وأَنها حية خالدة ناطقة، وأَن كل ما يحدث في العالم يكون على حسب ما تجرى به الكواكب حسب أَمر الله لها - كما زعموا - فعظموها ثم جعلوا لها تماثيل وأَصنامًا ترمز إليها فعبدوها (٢).
ونحن نقول: إنهم بجميع فرقهم كفار، ولا يغنيهم اعترافهم بوجود الله على النحو الذي مرَّ بيانه، لأَنهم كالمشركين الذين أَشركوا الأَصنام مع الله في العبادة، مع اعترافهم بأَنه - تعالى - هو الخالق. وقد جاءَ الإِسلام لمحاربة الشرك في جميع صوره، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾.

(١) انظر الآلوسى في الآية، فعنه نقلنا ما تقدم عن الصابئة.
(٢) ومن العلماء من أباح ذبائحهم ونكاح نسائهم ومنهم من منع ذلك، انظر القرطبى في تفسيره: "الصابئين" في آية البقرة ج ١ ص


الصفحة التالية
Icon