قال النص الكريم: ﴿وَلِبَاسُهُمْ﴾ ولم يقل: ويلبسون، كما قال: يُحلَّون. للإِشعار بأَن اللباس لهم أَمر محقق غنى عن البيان إِذ لا يمكن عراؤهم عنه، وإِنما يحتاج إلى بيان نَوْعِهِ. بخلاف التحلية، فإنها ليست من لوازمهم الدائمة؛ فلذا جعل بيانها بصيغة (الفعل) المضارع ليفيد التجدد من آن لآخر، وفي تصدير الآية الكريمة عن المؤمنين بالتوكيد ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ... ﴾ إظهار لمزيد العناية بهم وإِشارة إِلى تحقق ما وعدوا به، والتحلية بلبس الحرير قيل: هو حكم عام في أَهل الجنة، وقيل: هو باعتبار الأَغلب، لما أخرج النسائى وابن حبان وغيرهما عن أَبي سعيد الخدرى قال: قال رسول الله - ﷺ - (من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، وإن دخل الجنة لبسه أَهل الجنة ولم يلبسه هو) اهـ.
قال القرطبى في تفسيره: وذلك لاستعجال ما حرم الله عليه في الدنيا. ثم قال هذا نص صريح، وإِسناده صحيح.
٢٤ - ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾: أَي وهدى الله - سبحانه - المؤمنين في الدنيا، ووفَّقهم إِلى الطيب من القول، وهو كلمة التوحيد واتباع الأَوامر، واجتناب النواهى، وحكى الماوردى: هو الأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقيل: ما يعم ذلك وسائر الأَذكار ﴿وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾: أَي إِلى طريق الله المستحق غاية الحمد لذاته، وصراطه: هو الإِسلام فهو سبيل الله إِلى الجنة.
وقيل: إِن ذلك يكون في الآخرة، بأَن يقولوا عند دخول الجنة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ﴾ (١). ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ (٢).
وما يقع في محاورتهم من طيب القول: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (٢٥) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا﴾ (٣). كما هدوا فيها إلى طريق الجنة فهى المكان المحمود الذي يحمدون فيه ربهم على ما أَحسن إِليهم، وتفضل به عليهم. كما جاءَ في مسلم.
(إِنهم يُلْهَمُون التسبيح والتحميد كما يُلْهمون النَّفَس).

(١) سورة الزمر، الآية: ٧٤
(٢) سورة فاطر، الآية: ٣٤
(٣) سورة الواقعة، الآيتان: ٢٥


الصفحة التالية
Icon