والتعبير في النص الكريم بقوله: ﴿وَيَصُدُّونَ﴾ مع أَنها بمعنى وصَدُّوا لاستحضار الصورة الماضية تهويلا وتقبيحا لأَمر الصد الذي واجهوا به النبي وأَصحابه مع علمهم بأَنهم حضروا مسالمين قصدا إِلى النُّسُك، ومن حقهم أَن يدخلوه. كما قال تعالى:
﴿الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾: أَي جعلنا دخوله حقا لجميع الناس لقضاءِ النُّسُك فيه، يستوى في ذلك المقيم فيه أَو في حرمه، مع الحاضر إليه من أَهل البادية وغيرهم مِمَّن يفدون عليه. فأَهل مكة ليسُوا أَحق بتقديسه وتعظيمه من النازحين إِليه.
﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾: أَي من يرد فيه مرادًا ما بِإلحاد، أَي: ميل عن الاستقامة إِلى الإِثم بسبب ظلمه الذي حَمَله على الإِقدام عليه عامدا غير متأَول.
من يفعل ذلك ﴿نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾: أَي ننزل به في الآخرة أَلوانا من أَشد العذاب وأَقساه، لأَن الله عظم فيه الذنب - صغيره وكبيره -، وضاعف عليه العقاب، مما جعل أُولى النُّهى يبالغون في المحافظة على حرمته، ويبتعدون عن كل ما يمس قدسيته، وكانوا يعدون شتم الخادم فيه إِلحادًا بظلم، واليمين اللغو كذلك، كقولهم: لا والله، وبلى والله، مع أَنها غير مؤْثمة في غير الحرم، أَخرج ابن جرير عن مجاهد قال: (كان لعبد الله بن عمر - رضى الله عنهما - فسطاطان، أَحدهما في الحل، والآخر في الحرم، فإِذا أَراد أَن يصلى صَلَّى في الذي في الحرم، وإِذا أَراد أَن يعاتب أَهله عاتبهم في الذي في الحل، فقيل له. فقال: نُحدَّث أَن من الإِلحاد فيه: لا والله، وبلى والله) ويروى عن عبد الله بن عَمْرو بن العاص - رضى الله عنهما - إن من الإِلحاد في الحرم أَن نقول: كلاَّ والله، وبلى والله. وكان مجاهد يرى (أَن المعاصي تُضَاعف بمكة كما تضاعف الحسنات) فتكون المعصية معصيتين: إِحداهما: بنفس المخالفة، والثانية: بإِسقاط حرمة البلد الحرام - وقال الخفاجى: الوعيد على الإِرادة المقارنة للفعل، لا على مجرد الإرادة، وبه قال ابن مسعود وعكرمة. اهـ من تفسير روح المعانى.