وروى عن مجاهد وعطاءٍ مثل ذلك بناءً على أَن الأَكل كان منهيا عنه شَرعًا لقوله - ﷺ -: "كنت نهيتكم عن أَكل لحوم الأَضاحى فكلوا منْها وادَّخروا". والأَمر بعد المنع يفيد الإِباحة لا الندب.
﴿وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾: الأَمر للوجوب - كما نقله الأَلوسى عن بعض الشافعية، أَي وَأَطْعِمُوا منها البائس الذي نزل به الضر، فأَصابته الشدة، وبدت عليه الحاجة، وعن مجاهد وعكرمة: تفسيره بالذى يمد يده إِلى الناس يَسأل، والفقير بمعنى المحتاج صفة للبائس مؤَكدة لمعناه (١).
وتخصيص البائس الفقير بالإِطعام لا ينافى جواز إِطعام الغَنىّ على سبيل الهدية كما تقدم بيانه.
٢٩ - ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾:
أَي: ثم ليزيلوا بعد التحلل من الإِحرام أَوساخهم، وذلك بالاستحمام وتقليم الأَظافر، وترجيل الشعر، وقص الشارب، وغير ذلك من أُمور تستلزمها النظافة ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾: بتأْدية ما أُمروا به من مناسك حجهم، والعرب تقول لكل من خرج عما وجب عليه وأَدَّاهُ: وفَّى نذْرَهُ.
والمعنى. وليوفوا بما ينْذرونه من أَعمال البر في حجهم، والوفاءِ بالنذر واجب مطلقا، وليس مختصا بالحج، ما دام النذر في غير معصية، ولكن الوفاءَ به في الحج أَحق وآكد.
﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾: هو طواف الإِفاضة، وهو الركن الأَهم بعد الوقوف بعرفة.
وقيل: هو طواف الوداع. ووصف البيت بالعتيق للإِشارة إلى أَنه قديم لكونه أَول بيت وضع للناس كما قال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا﴾ (٢) أَو للإِشارة إِلى أَن الله أَعتقه من أَن يتسلط عليه جبّار إِلى انقضاءِ الزمان، وكم من جبار سار إِليه ليهدمه فقصمه الله ورده عنه مخذولا.
(٢) سورة آل عمران، الآية: ٩٦