﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾: استئناف لتقرير حكم ما قبله ببيان أَن الحرمات المقصودة بالتعظيم هنا هي أَعمال الحج المشار إليها في الآيات السابقة وأَماكنها كعرفة والكعبة ومنى ونحوها؛ قاله ابن زيد وغيره. وعن ابن عباس: هي جميع المناهى في الحج، وتعظيمها أَلَّا يحوم حولها؛ أَي: لا يقربها.
وقيل: حرمات الله هي كل ما لا يحل انتهاكه، ولا يجوز الاستهانة به، وجميع التكاليف الشرعية تتصف بهذه الصفة فتشمل مناسك الحج وغيرها وعلى هذا يكون المراد من تعظيمها هو العلم بوجوب مراعاتها، والعمل بمقتضى هذا العلم، فلا خير في علم بغير عمل بمقتضاه، وبهذا التأْويل تكون هذه الآية عامة في الحج وغيره، وهو الظاهر.
والمعنى الإِجمالى للآية: ذلك التشريع يجب تعظيمه، ومن يعظم تكاليف الله وشرائعه بعلمه بقداستها، وعمله بمقتضى هذا العلم، فهذا التعظيم خير له عند ربه، حيث يثيبه عليه ثوابًا عظيما في أُخراه ولا يحرمه من فضله في دنياه.
﴿وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾: أَي وأُحل لكم ذبح الأَنعام، والأَكل منها في الحج وغيره، إِلا ما تلى عليكم تحريمه من قبل، والأَنعام حلال بأَنواعها، وتشمل الإِبل والبقر والغنم إِلا ما حرمه الله لعارض، كالموت، وذكر اسم الأَوثان عند ذبحها، وفي ذلك يقول الله تعالى في سورة المائدة: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ... ﴾ (١) الآية، وقد نزلت آية المائدة قبل آية الحج، وإِنما عبر عنها بصيغة الحاضر والمستقبل ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ بدلا من صيغة الماضى - إِلا ما تلى عليكم - للإِيذان بأَن تلاوة هذه الآيات تتردد على أَسماعكم منذ نزولها إِلى الآن وبعد الآن.
ولما حث الله على تعظيم حرماته، أَتبعه الأَمر باجتناب الأَوثان وقول الزور فقال سبحانه: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾: أَي فابتعدوا عن الرجس الذي هو الأَوثان، وكانت العرب تتخذها من الأَحجار أَو الأَخشاب أَو الذهب أَو الفضة أَو نحوها، ويعبدونها إشراكا وكفرا، وطلب اجتناب ذواتها للمبالغة في البعد عنها لأَنها نجس وقذر لا ينبغي القرب منه

(١) من الآي


الصفحة التالية
Icon