روى الواحدى وغيره: أَن المشركين كانوا يؤْذون أَصحاب النبي - ﷺ - وهم بمكة، وكانوا يأْتونه ما بين مضروب ومشجوج، يتظلمون له، فيقول لهم: اصبروا فإِنى لم أُومر بالقتال، حتى هاجر فَأُنْزِلِت هذه الآية.
وهي أول آية أُنزلت في القتال بعد ما نُهيَ النبي - ﷺ - عنه في نَيِّف وسبعين آية، على ما رواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس - رضى الله عنهما -.
ومن نص الآية نعلم أَنه تعالى إِنما أَذن لهم بالقتال بسبب أَنهم ظلموا من المشركين، حيث آذوهم وأَخرجوهم من ديارهم وذويهم وأَموالهم، فهو قتال يراد به الانتقام ممن آذوهم، وإِثبات أَنهم أصبحوا قوة يحسب حسابها عندما يريدون العدوان عليهم، وكل ذلك تقره الأَعراف الدولية، فمن لم يَتَذَأبْ أَكلته الذئاب، وتعتبر هذه الآية قاعدة عامة لمشروعية القتال الدفاعى، وإن نزلت بسبب خاص.
ومعنى الآية: أَذن الله للمؤْمنين الذين يقاتلهم غيرهم، بأَن يعتدوا عليهم أَو على دورهم أَو وطنهم أَو أَموالهم أَو يؤَلبوا عليهم سواهم. أَذن الله لهم في قتالهم، بسبب ظلمهم إِياهم، وإِن الله على دفع هؤُلاءِ الظالمين عن المؤْمنين ونصرهم عليهم لعظيم القدرة، فليثقوا بوعده وليطمئنوا إِلى تأْييده، وليأْخذوا بالأَسباب.
٤٠ - ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾:
هذا وصف مؤَيد للإِذن بقتال المهاجرين للمشركين حقق الله به وقوع الظلم منهم عليهم، وأَن من حقهم أَن يدفعوا الظلم عن أَنفسهم.
وقد أُجْرِيَ هذا الوصف مجْرَى المدح لهم، على أَنه خبر لمبتدأ محذوف، وكأَنه قيل: هم الذين أُخرجُوا من ديارهم بغير ذنب يستحقون به هذا الإِخراج إِلا أَنهم يخالفون من أَخرجوهم في شركهم، فيقولون: ربنا الله لا نعبد سواه، فهل يعتبر قول الحق وعقيدة الصدق ذنبا يستحقون التهجير والإِخراج من الوطن الغالى بسببه؟ إِنه لظلم مبين، وعدوان أَثيم.