والأول هو الظاهر، وأما حمله من آمن معه في السفينة من غير أهله فإنه وإن لم يذكر في هذه الآية، فقد صُرِّح به في سورة هود في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (٤٠)﴾ (١) والقرآن يفسر بعضه بعضًا، فما ترك ذكره في آية يعرف أَنه مراد فيها من آية أخرى ذكر فيها.
وتأخير الأمر بحمل أهله في السفينة عن الأَمر بحمل الأزواج وإدخالهم السفينة، لأن إدخال هذه الأَزواج يحتاج إلى معاونة أَهله قبل أَن يصعدوا إلى السفينة، ولأن موضوع إدخال الأهل يتصل به استثناءُ من استثنى منهم وغيره، فتقديم الأَمر بإدخالهم على إدخال الأزواج يخل بتجاوب النظم الكريم.
٢٨ - ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨)﴾:
فإذا ركبت السفينة وعلوتها أنت ومن معك من المؤمنين ونجوتهم بذلك من ظلم قومكم الظالمين، ومن عقابهم بالطوفان على ظلمهم وكفرهم - إذا حدث ذلك - فقل: الحمد لله الذي نجانا بفضله - من ظلم الظالمين وعاقبته.
وتوجيه الأمر إلى نوح بالحمد على النجاة من الظالمين، دون إشراك من نجا معه من المؤمنين في ذلك، لأَنه إمامهم، فأَمره بحمد الله أمر لهم بمثله، ولأنه هو الذي دعا ربه أن ينصرة على قومه بسبب تكذيبهم إياه، فاستجاب له ربه فأنجاه ومن معه من المؤمنين، وأغرق مكذبيه بالطوفان، فلهذا طلب منه ربه أن يحمده على إِجابة دعائه في قومه المكذبين، وتكريمه والمؤمنين بالنجاة من ظلمهم.
٢٩ - ﴿وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ﴾:
أي: وقل يارب أَنزلنى من السفينة مكانا ومنزلًا كثير الخيرات ولمن معى من المؤمنين بعد انتهاء الطوفان، وخراب الدنيا، لكي نستطيع العيش فيه نحن وذرياتنا، أنت يا رب خير من ينزل الضيفان، ويكرم المحتاجين واللاجئين.

(١) سورة هود، الآية رقم: ٤٠.


الصفحة التالية
Icon