التفسير
٣٦ - ﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ﴾:
هذه الآية وما بعدها تكملة لحكاية ما تحدث به كبراءُ الكافرين من القوم الآخرين (١) مع عامتهم، من إنكارهم البعث؛ لِصدِّهم عن تصديق رسولهم فيما وعدهم به، مستبعدين أَن تكون لهم حياة بعد أن يموتوا، وتتحلل أَجسادهم، فيصبح المتقدم منهم موتًا ترابًا اختلط بتراب الأرض، وامتزج بثراها، وصار جزءًا من أَجزائِها، لا يتميز عنها، ، ويصبح المتأخر منهم في الموت عظامًا نَخِرَةً مجردة من اللحوم والأعصاب، كما يشير إِلى ذلك قوله تعالى: ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥)﴾ (٢).
وقوله سبحانه: ﴿لِمَا تُوعَدُونَ﴾ بيان للمستبعد، كأَنه قيل: لأى شيء هذا الاستبعاد الذي يستبعدونه؟ فقيل: إنه لما يوعَدون من وقوع البعث.
والمقصود من الآية أَن هؤلاء القوم يستبعدون البعث بعد الموت استبعادًا مؤكدًا لا يترددون فيه، ولهذا أَتبعوه بما حكاه الله بقوله:
٣٧ - ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾:
أي: لا حياة لنا إِلا حياتنا الدنيا التي نحياها، وليس بعدها حياة أخرى بالبعث بعد الموت، كما يعدنا من يدعى أَنه رسولنا - فنحن في حياتنا هذه (نَمُوتُ ونَحْيَا) فيموت بعضنا، ويولد بعض آخر، وينقرض قرن فيأْتى قرنٌ.. إلى آخر الزمان، فالحياة التي عَنَوْها بعد الموت هي حياة جيل جديد بعد موت الذي قبله، ولذا عقبوه بقولهم: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾: أَي وما نحن بمبعوثين من قبورنا أحياء بعد الموت، فكيف نصدقه في دعواه؟ ثم أَوغلوا في تكذيبه والتشنيع عليه، فقالوا:
٣٨ - ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ﴾:
أي: ما هو إلا رجل اختلق على الله كذبًا فيما جاءكم به عنه سبحانه، من الرسالة والإخبار بالمعاد والبعث بعد الموت ﴿وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ﴾: أَي لا يقع قوله منا موقع القبول والتصديق بما يدَّعيه ويعِدُ به.
(٢) سورة المؤمنون، الآية: ٣٥.