وقد عرفت مما تقدم أن أصحاب القرن الآخرين إمَّا عاد قوم هود، فهؤلاء أهلكوا بصيحة الريح العقيم، وإما ثمود قوم صالح فهؤلاء أهلكوا بصيحة جبريل أَو الصاعقة وإمَّا قوم آخرون لهؤلاء أهْلِكُوا بصيحة أخرى يعلمها الله تعالى.
﴿فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً﴾: أي هلكى هامدين لا نفع فيهم ولا غناء، يشبهون غثاء السيل، وهو ما يحمله مما بَلِىَ واسودَّ من ورق الشجر وغيره مخالطًا زبده. ﴿فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾: لفظ: ﴿بُعْدًا﴾ قد يراد به الدعاء، أي: فهلاكًا لهم، بمعنى: أَهلِكْهم يا الله إهلاكا، وقد يراد به: الإخبار، بمعنى: فبعُد بُعْدًا من رحمة الله القريبة من المحسنين - بعدوا بهلاكهم - من كل خير، أو من النجاة. واللام في قوله: ﴿الظَّالِمِينَ﴾ لبيان من قيل له: بُعْدًا، والتعبير بقوله: ﴿فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ بدلًا من أَن يقال: فبعْدًا لهم إيذان بأن إِبعادهم علته وسببه ظلمهم لأنفسهم؛ بتكذيب رسولهم وعدم الاستجابة لدعوته.
﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (٤٢) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (٤٤)﴾
المفردات:
﴿قُرُونًا آخَرِينَ﴾: أَي أمَمًا خلفت الأمم السابقة. ﴿رُسُلَنَا تَتْرَى﴾: أي متواترين وترا بعد وتر، والوتْرُ: الفرد. ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾: أي أخبارًا يتحدث بها الناس تلهيًا وتعجبًا، وهو جمع أُحدوثة.


الصفحة التالية
Icon