وقيل: أنهم فرقوا بين الكتب المنزلة، فأخذ كل منهم كتابًا آمنَ به، وكفر بما سواه.
﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾: والمعنى كل فريق من هؤلاه المتحزبين الذين قطعوا دينهم فرحون بما عندهم من الدين الذي اختاروه وركنوا إليه؛ لاعتقادهم أنهم على الحق.
وبعد أن عرض القران الكريم على أسماع قريش أن جميع الديانات السماوية مجمعة على عقيدة واحدة هي التوحيد، وأن الله تعالى هو رب الجميع وأن أصول الشرائع واحدة - بعد هذا - أَمر سبحانه رسوله أن يتجاوز إلى أمدٍ عن غفلتهم وإهمالهم لهذه الحقائق، فقال تعالى:
٥٤ - ﴿فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ﴾:
والمعنى: فاترك - أيها النبي - هؤلاء على حالهم من الغفلة والضلال الذي لا ضلال بعده، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات، فقد بلَّغت الرسالة التي أمرت بتبليغها حق الأداء ﴿مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾ (١).
والفاءُ في قوله سبحانه: ﴿فَذَرْهُمْ﴾ لترتيب الأمر بالترك عل ما قبله من كونهم فرحين بما لديهم من الدين الذي اختاروه، أي: اتركهم ﴿حَتَّى حِينٍ﴾ وهو حين قتلهم في يوم بدر، على ما روى عن مقاتل، أَو حين موتهم عل الكفر، وعذابهم في الآخرة، فالآية وعيد بعقابهم في الدارين، وتسلية للرسول - ﷺ - وإرشاد له بترك الاستعجال بعذابهم، والجزع من تأخيره، وذلك نظير قوله تعالى: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣)﴾ (٢).
ويجوز أن تكون بشارة النبي - ﷺ - بما تم له من فتح مكة، وهم في غفلتهم عن أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.

(١) سورة العنكبوت، من الآية: ١٨
(٢) سورة الحجر، الآية: ٣


الصفحة التالية
Icon